وهو المقول فيه:(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(الزخرف: ٣٦)، فقيل فيه وفي متخذه:(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ)(الزخرف: ٣٩)، والظلم هنا ظلم الكفر من عبد عيسى، عليه السلام، من الأحزاب المذكور اختلافهم في خاصته دون متخذه بحال هؤلاء، فوسموا بالظلم كوسن من تقدم فقيل:(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا)، وظلم هؤلاء كفر كحال من تقدم، فتناسب هذا، ولم يقع في آية سورة مريم ما يطلب بمناسبة، فوصفوا هناك بالكفر بخلاف آية الزخرف، فجاء كل على ما يجب، ثم قال (مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(الزخرف: ٦٥)، فذكر العذاب المعقب به ذلك اليوم المشهود، ووصف اليوم بالإيلام وإن كان المؤلم إنما هو العذاب مبالغة في شدة الإيلام من عذاب ذلك اليوم، كما قالوا: نهارك صائم وليلك قائم، وهذا العذاب ثان عن قيامهم في ذلك المشهود وسوء حالهم فيه، وجاء ذلك على الترتيب الذي استقر عليه الكتاب العزيز، فذكر في المتقدم من الآيتين المتقدم وجوداً من حالهم الأخراوي، وفي الآية الثانية ترتيب ما هو ثان عن ذلك، وجاء كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
الآية الثالثة: غ - قوله تعالى:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)(مريم: ٣٩)، وفي سورة المؤمن:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ)(غافر: ١٨)، والمراد في الآيتين تذكريهم بالقيامة وأهوالها، ثم اختلفت العبارة في الكناية، ففي سورة مريم:(يَوْمَ الْحَسْرَةِ)، وفي سورة المؤمن:(يَوْمَ الْآزِفَةِ)، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن اليوم المشار إليه يشتمل على موقف ومواطن مهولة وأحوال مختلفة، وبحسب ذلك تختلف العبارة والأخبار لاختلاف المقاصد والمواطن، ألا ترى قوله تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)(المؤمنون: ١٠١)، وقوله تعالى:(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)(الصافات: ٢٧)، وقوله تعالى:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)(الصافات: ٢٤)، وقوله:(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)(الرحمن: ٣٩)، ولا شك في أن هذا في مواططن مختلفة، وبحسب ذلك اختلفت الكناية كما أضيف إليه اليوم هنا، فيوم الحسرة عبارة عن الوقت الذي يحصل فيه العلم اليقين لأهل النار بتأييد خلودهم واستمرار عذابهم إلى غير نهاية، ويتأكد لأهل الجنة علمهم بذلك، فلا أشد فرحاً من أهل الجنة يومئذ، ولا أشد حسرة من أهل النار، وفي هذا ورد الخبر الصحيح من أنه إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ينادي يا