الآية الأولى منها: قوله تعالى: "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه "، ثم قال:"وأنزل التوراة والإنجيل "، فليسأل عن تخصيص الكتاب بلفظ "نزل " المضعف وتخصيص التوراة والإنجيل بلفظ "أنزل "؟
والجواب عن ذلك أن لفظ نزل يقتضى التكرير لأجل التضعيف تقول ضرب مخففا لمن وقع ذلك عليه مرة واحدة ويحتمل الزيادة والتقليل أنسب وأقوى.
أما إذا قلنا ضرب بتشديد الراء فلا يقال الا لمن كثر ذلك منه فقوله تعالى:"نزل عليك الكتاب " مشير إلى تفصيل المنزل وتنجيمه بحسب الدعاوى وأنه لم ينزل دفعة واحدة أما لفظ أنزل فلا يعطى ذلك إعطاء نزل وان كان محتملا وكذا جرى فى أحوال هذه الكتب فإن التوراة إنما أوتيها موسى صلى الله عليه وسلم جملة واحدة فى وقت واحد وهو المراد بقوله تعالى: "وكتبنا له فى الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة "الآية أى المجموع وأما الكتاب العزيز فنزل مقسطا من لدن ابتداء الوحى وقوله سبحانه وتعالى: "إقرأ باسم ربك الذى خلق " إلى آخر عمره صلى الله عليه وسلم ونزول قول الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " وقوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " ولنزوله مقسطا ما قال الكفار: "لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " فقال تعالى: "لنثبت به فؤادك " وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله " وهو القرآن ثم قال: "والكتاب الذى أنزل من قبل " والمراد التوراة فورد ذكر التوراة فجاء كما ورد حين أفصح بذكر أسمائهم فى قوله: "نزل عليك الكتاب " ثم قال: "وأمزل التوراة والإنجيل " وحيث يذكر أحد هذه الكتب مفردا عن غيره أو بغير الألف واللام العهدية فيأتى بلفظ "أنزل " فيهما وان أريدا معا كقوله تعالى: "وما أنزل الينا وما أنزل من قبل " ومنه: "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك "، وهذا كثير فى القرآن حيث يعبر عن ذلك بما وان كانت موصولة فليس فيها من العهد