للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن نظره صلى الله عليه وسلم وما يراه علم، وأنا عن نظر غيره ممن ليس بمعصوم فظن كما تقدم. ولفظ رأى يصلح في الحالين، ويقع بالاشتراك على المعنيين وعلى الإبصار، فناسب لتردد لفظه بين هذه المعاني، وإن كان في سورة الروم يراد به العلم، ما تقدم في السورتين قوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) وقوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) لجامع التردد حاصل في المتواطئ بلحظ التشخص، فوضح التناسب.

وأما سورة الزمر فلم يتقدم (بها ما تقدم) في سورة الروم مما يستدعي ذلك التناسب، فجيء بقوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا)، فطوبق باللفظ المعنى من حيث لا تردد فيهما ولا اشتراك، وأيضاً فقد تقدم في هذه السورة قوله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا) (الزمر: ٢) وقوله: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا) (الزمر: ١١) وقوله: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) (الزمر: ١٤)، والإخلاص مسبب عن العلم، وهو ثمرته، أعني ثمرة العلم، فناسب هذا قوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (الزمر: ٥٢)، فإنهم تسبب عن علمهم الإخلاص إن سبقت سابقة سعادة، فناسب هذا أتم مناسبة، فهذا وجه ثان من الجواب، وكأنه مما قدم فيه المسبب وهو الإخلاص بين يدي سببه وهو العلم، ووضح على هذا أن ما ورد هنا لم يكن ليناسب ما في سورة الروم، ولا ما ورد في سورة الروم ليناسب ما في سورة الزمر، والله أعلم.

الآية الرابعة من سورة الروم قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (الروم: ٤٣)، وفي سورة الشورى قوله تعالى: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (الشورى: ٤٧)، للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف ما وقع به الإتباع في الآيتين فقيل في الأولى: (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) وفي الثانية: (مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)؟

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الروم إنما أعقبت بقوله: (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) تمهيداً لما اتصل بها من تفصيل الأحوال في قوله: (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم: ٤٤)، لأن تصدعهم يراد به افتراقهم كما في قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (الروم: ١٤)، فالمراد يومئذ يصدعون إلى ما أعد لكل منهم بحسب مرتكبه وحاله في كفره وإيمانه، وقد تضمن قوله: (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) جزاؤه، وأشار إلى تفصيل أحوالهم في عذابهم كل بحسب مرتكبه: (جَزَاءً وِفَاقًا) (النبأ:

<<  <  ج: ص:  >  >>