قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ "، وقال فى سورة الحجر:" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) "، فى الآيتين مما يسأل عنه قوله تعالى فى الأولى "ما منعك " وفى الثانية "مالك "، وفى الأولى استفتاح بسؤاله عن امتناعه بقوله "ما منعك " من غير ندائه باسمه وفى الثانية نداؤه "يا إبليس " وفى الأولى قوله "ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك " وفى الثانية "ألا تكون مع الساجدين " وفى الأولى قال "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين " وفى الثانية: "لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون " وفى الأولى قال: "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين "، وفى الثانية:"فاخرج منها فإنك رجيم "، فهذه خمس سؤالات.
فأقول: إنه لما تقدم فى الأعراف ذكر خلق الإنسان وتصويره من غير ذكر المادة التى خلق منها قال تعالى: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " والخطاب لبنى آدم ولم يذكر خلق غيرهم من ملك أو جن.
ثم إن الأمر بالسجود ورد للملائكة ولم يرد إشعار بأن إبليس من غيرهم فسبق من ظاهر الكلام أنه منهم ومأمور معهم لاستثنائه منهم فناسب هذا قوله:"وما منعك "، لأنه مأمور بظاهر ما تقدم وناسب ذلك أيضا وعضد ما قلناه قوله "إذ أمرتك "، ولما لم يقع ذكر لخلق غير الآدميين ولا ذكرت مادة خلق الإنسان ناسب ذلك ما ذكره سبحانه عن إبليس من قوله:"أن خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "، فاستوفى ذكر المادتين وبنى على ذلك ما توهم من فضل النار على الطين.
أما آية الحجر فقد تقدم قبلها قوله تعالى:"ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون " إلى قوله: "فقعوا له ساجدين " فأشارت الآية بظاهرها إلى أن إبليس من الملائكة وقد نطقت الآية أن الملائكة هم المأمورون