للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخذ بعذاب مناسب لحال المجرم إثر معصيته وعقيب جريمته، وقد تقدم في آية الرعد قوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) (الرعد: ٣٢)، والاستهزاء (أمر) مرتكب زائد على التكذيب من التهاون، والاستخفاف بجريمة مرتكبة أشنع جريمة، فناسبها الإفصاح بالعقاب. أما آية الحج فإن الوعيد (بها) للمذكورين بالتكذيب ولم يذكر منهم استهزاء، قال تعالى: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى) (الحج: ٤٢ - ٤٤)، فلم يخبر عن هؤلاء بغير التكذيب ليس كالاستهزاء، فقد يؤمن المكذب ويصلح حاله، أما المستهزئ فلا يصلح، وقد كفى الله نبيه إياهم، قال تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر: ٩٥)، فناسب النظم تعقيب كل آية بما يناسب مرتكب من قدم، ولم يكن عكس الوارد ليناسب، والله أعلم.

الآية السابعة من سورة الرعد: غ - قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) (الرعد: ٣٧)، وفي سورة طه: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (طه: ١١٣)، والمراد بالمنزل في الموضعين واحد وهو القرآن ثم اختلف العبارة عنه في السورتين، للسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟

والجواب، والله أعلم: أن سورة الرعد لم يتقدم فيها شيء من القصص الإخبارية وإنما المتقدم فيها تفاصيل أحكام مرجعها بجملتها إلى اختلاف أحوال المكلفين جرياً على ما سبق من قضائه فيهم، وتفصيل أحوالهم بحسب ما قدره سبجانه في أزله وما حكم به عليهم كقوله سبحانه: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى) (الرعد: ١٩)، ثم بين تعالى حكم كل من الفريقين بعد وصفهم، ثم أعقب بمآل الفريقين فقال فيمن هداه فعلم: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) (الرعد: ٢٣) إلى قوله: (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: ٢٤)، وأتبع بحال الآخرين الموصوفين بنقض عهده سبحانه، وأخبر بأن لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وبين تعالى حكمه في بسط الرزق لمن يشاء (وقبضه عمن يشاء، فقال تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (الرعد: ٢٦)، وأعلم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب، ثم وصفهم بإيمانهم واطمئنان قلوبهم بذكره في قوله تعالى: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد: ٢٩)، ودارت الآي بعد على أن كل جار في خلقه فبتقديره، وتناسب ذلك إلى الآية، وكل ما تقدم فهو حكمه السابق في خلقه، فأعقب هذا بقوله: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) (الرعد: ٣٧)، قال الزمخشري: حكمة عربية أي مترجمة بلسان العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>