الآية الأولى منها: غ - قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف: ٢)، وفي سورة الزخرف:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الزخرف: ٣)، فورد (هنا)((جعلناه)) موضع ((أنزلناه)) في الآية الأولى: فلسسائل أن يسأل عن موجب هذا التخصيص لاتفاق الوارد في الآيتين لفظاً ومعنى في غير ما ذكر؟
والجواب عنه، والله أعلم: أن آية (سورة) يوسف لما كانت توطئة لذكر قصصه، عليه السلام، ولم تتضمن السورة غير ذلك إلا ما أعقب به في آخرها مما يعرف بعجيب ما تضمنته ما كان غيباً عند قريش والعرب، مستوفياً ما كان أهل الكتاب يظنون أنهم انفردوا بعلمه، فأنزل الله هذه السورة موفية من ذلك أتمة، ومعرفة من قصصه العجيب، ومؤدية أكمله وأعمه، ولا أنسب عبارة هنا من قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) ليعلم العرب والجميع أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يتلق ذلك القصص من أحد من العرب، إذ لم يكن عندهم منه نبأ، ولا رحل في تعرفه إلى أحد، فكام قصصاً وآية معلماً بصحة رسالته عليه السلام، وعظيم تلك العناية، فالتعبير بالإنزال هنا (بين).
وأما آية الزخرف فلم تبن على أخبار بل أعقبت بآي الاعتبار والتلطف في التنبيه والتذكار قال تعالى:(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ)(الزخرف: ٥)، وهذا أعظم التلطف، وقال تعالى بعد:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)(الزخرف: ٩)، ثم مضت أكثر آي هذه السورة على نحو خذا الاعتبار وما يناسبه.
وقد ذكر سيبويه، رحمه الله، في أقسام جعل كونها بمعنى صير ملحقاً لها بظننت وأخواتها ومنه وقلهم: جعل الطين خزفاً، وذلك انتقال وتصيير فالمراد بالآية جعل الكتاب معتبراً هدى ونوراً والمنبهون به والمعتبرون بآياته المخاطبون به مخلوقون تقدمهم العدم، وإنما صح خطابهم به مشاهدة بعد وجودهم، فصح بانتقال حالهم التصيير، وجل عن التغيير والحدوث كلام الحكيم الخبير، فكرمه سبحانه قديم ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة