الآية الأولى منها - قوله تعالى:(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى)(القصص ٢٠)، وفي سورة يس:(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)(يس: ٢٠)، للسائل أن يسأل عن تأخير الفاعل عن المجرور في سورة يس ولم يأت متقدماً يلي الفعل كما ورد في سورة القصص؟
والجواب عن ذلك، بعد تسليم أن وروده في سورة القصص متقدماً فقيل:(وَجَاءَ رَجُلٌ) وارد فلى ما يجب، لأن مرتبة الفاعل التقديم، ولا يتأخر عن ولايته الفعل إلا لعارض من جهة اللفظ أو من جهة المعنى أو اتساعاً، وذلك غير الأولى أعني إذا كان تأخره لمجرد الاتساع. وإذا تقرر هذا فإنما السؤال عن وجه تأخره في سورة يس؟ ووجه ذلك - والله أعلم - أن تقديم المجرور الذي هو قوله:(مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) مشيراً إلى إحراز معنى جليل مطلع على حكم السوابق من بعد مسافة عن داعية إلى الهداية، فلم (يضره) بعد الدار وكفر من باشر الرسل وشافههم فلم ينتفع بقرب الدار، وذلك بحسب ما قدر لكل من المكلفين وسبق له، وحاصل الإخبار من هذه الآيات مثال لحال كفار قريش من أهل مكة، وحال الأنصار من أهل المدينة، حين جاء هؤلاء وآمنوا به صلى الله عليه وسلم مع بعد دراهم، وعاند عتاة قريش (فكفروا) مع لالتحام في النسب واتحاد الدار، ويوضح هذا أن السورة مكية، وإنما افتتحت بذكر قريش وهم المعنيون بقوله:(لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)(يس: ٦) إلى ما بعد من الآيات، والإخبار بأن ذلك لا يجدي عليهم في قوله:(وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(يس: ١٠)، فهذا الإخبار بحال كفار قريش، ثم قال تعالى:(إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ... )(يس: ١١)، أي من انقاد وأصغى إليك وإن بعدت داره وهذا حال الأنصار، ثم قال:(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا)(يس: ١٣) أي الفريقين ممن كفر مع قرب داره ومن آمن مع بعد داره، وذكر تعالى أصحاب القرية (وحالهم مع من أرسل إليهم، وأنهم أرسل إليهم اثنان ثم عززوا بثالث، فجاوبهم أصحاب القرية) المخاطبون مجاوبة الرد والتكذيب فقالوا: (مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)(يس: ١٥) كما قالت قريش: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي