بالأكل، أما الآية الثانية فمبنية على غير هذا وقد تقدمها قوله تعالى:"وقالوا هذه أنعام وحرث حجر " أى منع: "لا يطعمها إلا من نشاء "، وجرى ما بعد على التناسب إلى قوله:"وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان " إلى قوله: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده " ثم قال بعد ذكر الأنعام: "كلوا مما رزقكم الله "، وجرى ما بعد على هذا فى تفصيل ما أحل سبحانه لعباده ورد ما ظنت يهود تحريمه على هذه الأمة، ثم أتبع سبحانه لعباده بذكر ما حرم أكله فقال لنبيه عليه السلام:"قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا .... " الآية، ثم أتبع تعالى بما حرم على بنى إسرائيل أكله فقال:"وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر " فلم يتخلل هذه الآيات من غير أحكام المأكولات فى التنويع والإباحة خلاف ذلك سوى الأمر بزكاة الحرث فى قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده "فدارت هذه الآى على ما أنعم به سبحانه من ضروب ما خلقه تعالى مما أقام به حياة عباده مأكلا وملبسا ومعونة فى حركاتهم وانتقالاتهم ومباح ذلك ومحرمه، فلم يكن ليلائم ذلك إلا ما يناسبه، ولم يكن ليناسب الآية المتقدمة لو
قيل: كلوا، ولا هذه الآية لو قيل: انظروا، فجاء كل على ما يجب ويلائم ولا يناسب خلافه، والله أعلم.
الآية الموفية عشرين
قوله تعالى:"ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل " وفى سورة غافر: "ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ".
للسائل أن يسأل عن وجه التقديم والتأخير فيما قدم وأخر فى هاتين الآيتين.
والجواب عن ذلك: أن آية الأنعام لما تقدم فيها قوله تعالى: "وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم "، وقوله تعالى:"أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة " كان الملائم نفى ما جعلوه وادعوه من الشركاء والصاحبة والولد، فقدم ما الأمر عليه من وحدانيته سبحانه وتعاليه عن الشركاء والولد فقال:"لا إله إلا هو "، وعرف العباد بعد بأن كل ما سواه سبحانه خلقه وملكه فقدم الأهم فى الموضع.
وأما آية غافر فتقدمها قوله تعالى: "لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق