الآية الأولى منها - قوله تعالى:(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)(ص: ٤) وفي سورة ق: (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ)(ق: ٢)، للسائل أن يسأل عن ورود قوله في ص:(وَقَالَ الْكَافِرُونَ) بواو النسق وفي سورة ق بفاء التعقيب والإخبار عن حالهم واحد؟
والجواب - والله أعلم - أن آية ص وردت مورد الإخبار بمرتكبات من أفعال كفار العرب وأقوالهم فجيء بتلك الجمل منسوقاً بعضها على بعض، فأخبر تعالى أنهم في عزة وشقاق، وأنهم عجبوا أن جاءهم منذر منهم ولم يكن من الملائكة كما قالوا:(لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا)(الفرقان: ٢١)، وأنهم رموه بالسحر والكذب، وتعجبوا من جعله الآلهة إلهاً واحداً، وأنهم تمالؤوا على قولهم:(أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ)، وأنهم قالوا:(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ)(ص: ٧) أي في ملة عيسى، عليه السلام، ومن هذا قولهم في إخبار الله تعالى عنهم:(أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ)(الزخرف: ٥٨)، وتحريهم على الإفصاح بمرتكب النصارى في التثليث، وأنهم أقرب الملل إليهم وآخر من تقدمهم وهم مثلثون، فكيف تجعل أنت يا محمد الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب، فجعلوا ما جاء به اختلافاً وتقويلاً، إلى ما ارتكبوه من هذا، فلما قصد هنا الإخبار بجملة مرتكباتهم جاءت منسوقاً بعضها على بعض بالواو التي لا تقضي ترتيباً ولا تعقيباً.
وأما آية ق فمقصود بها التعريف بتعجبهم من البعث الأخراوي واتسبعادهم إياه، ولم يقصد هناك غير ما قصده، ألا ترى إقامة الدلالة عليهم باعتبار خلق السماوات، وتزيينها بالنجوم، وإحكام صنعها، ومد الأرض، وإرسائها بالجبال، وإخراج أصناف النبات، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الجنات وضروب الحبوب والنخل الباسقات ذات الطلع النضيد، ثم قال:(كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)(ق: ١١)، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)(الأنبياء: ١٠٤)، (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ)(يس: ٨١)، فلما كان قولهم:(هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) مبيناً على ما جاءهم به، عليه السلام، وأعلمهم من البعث بعد الموت جعل الأول - أعني مجيئه، مخبراً بذلك - سبباً في