للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة المجادلة]

قوله تعالى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة: ٤)، وقال بعد: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) (المجادلة: ٥)، يسأل عن تعقيب الأولى بقوله: " وللكافرين عذاب أليم" والثانية بقوله " وللكافرين عذاب مهين"؟ ووجه اختصاص كل موضع بالوارد فيه؟

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الآية الأولى لما تقدمها ذكر الظهار، وقد سماه سبحانه منكراً من القول وزوراً، وشرع الكفارة فيه رحمة وتداركاً للواقع فيه إذا اتعظ وأناب، وجعلها (على التدرج) من تحرير رقبة للواجد القادر عليها، وإلا فحكمة صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن عجز عن الصيام فإطعام ستين مسكيناً، ثم قال: (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) (المجادلة: ٤) أي أن الانقياد لأمر الله سبحانه (والتزام حدوده عنوان كبير على كمال الأديان والتزام ما به التخلص لديه سبحانه، فشرع لكم الحدود، فمن التزمها ولم يتعداها فذلك المؤمن، ومن تنكب عنها وحاد عن التزامها فتلك صفة الكافرين: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة: ٤)، ووصف العذاب بالإيلام ليكون أوقع (وذلك أوقع)، وذلك بين التناسب.

وأما الآية الثانية فتقدمها قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (المجادلة: ٥)، والمحادة المشاقة والمحاربة، ولذلك كان جزاؤهم أن كبتوا وأذلوا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (المجادلة: ٢٠)، فلما تعزز هؤلاء وارتكبوا المحادة والمشاقة كان جزاؤهم إكباتهم وإذلالهم وأهانتهم في مقابلة تعززهم كفراً وعناداً، فقال تعالى في جزاء هؤلاء: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) (المجادلة: ٥) أي مذل لهم قامع لعنادهم، وهذا بين التناسب، والله أعلم.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>