السجدة، إلا أن حذف النون في يكون من فصيح كلامهم ما لم تكن متحركة، فإن كانت متححركة لم تحذف لقوتها بالحركة وإن كانت عارضة كقوله تعالى:(لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ... )(البينة: ١)، ولا تحذف هذه إلا في الشعر نحو قوله:
لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفَّى بالسررْ
فورد في سورة هود على ما اعتمدوه من تخفيف هذا اللفظ ليناسب بذلك إيجاز الكلام المتعلق بقوله:(فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ)(هود: ١٧)، والمتصل به تمامه تمام معنى المقصود وذلك قوله:(إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(هود: ١٧)، وكذلك قوله في آخر السورة:(فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ)(هود: ١٠٩) إلى قوله: (غَيْرَ مَنقُوصٍ)(هود: ١٠٩).
وورد في سورة السجدة على أصل الكلمة قبل حذفها فقيل:(فَلا تَكُنْ)، ليجريذلك مع ما ورد في هذه السورة من طول الكلام المتعلق بقوله (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ)(السجدة: ٢٣)، ألا ترى أن الكلام واحد إلى قوله:(فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(السجدة: ٢٥)، فنوسب الإيجاز بالإيجاز والطول بالطول والله أعلم.
الآية الثالثة منها قوله تعالى:(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ)(هود: ٢٢)، وفي سورة النحل:(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ)(النحل: ١٠٩)، للسائل أن يسأل عن وجه تخصيص آية هود بقوله:(الأَخْسَرُونَ) وآية النحل (بقوله)(الْخَاسِرُونَ)؟ (وهل كان يمكن العكس)؟
والجواب: أن آية هود تقدمها (ما يفهم) المفاضلة، ألا ترى أن قوله تعالى:(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ)(هود: ١٧)، الآية يفهم من سياقها أن المراد: أفمن كان على بينة من ربه كمن كفر وجحد (وكذب) الرسل؟ ثم أتبع هذا بقوله:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)(هود: ١٨)، فهذا صريح مفاضلة، ثم أستمرت الآي في وصف من ذكر وعرضهم على ربهم وقول الأشهاد:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (هود: ١٩، ١٨) إلى ذكر مضاعفة العذاب لهم، وأستمر ذكرهم إلى قوله:(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ)(هود: ٢٢)، فناسب لفظ الأخسرين بصيغة التفاضل، ومقصود التفاوت ما تقدم مما يفهم ذلك