الآية الأولى منها قوله تعالى:(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(الأنبياء: ٢)، وفي سورة الشعراء:(وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ)(الشعراء: ٥)، فورد في الأولى:(مِنْ رَبِّهِمْ) وفي الثانية: (مِنَ الرَّحْمَنِ) مع اجتماع الآيتين في أن التذكير لا يجدي على ما ذكر في الآيتين، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب، والله أعلم: أن هذين الاسمين العظيمين وهما: الرب والرحمان تواردا في الكتاب العزيز كثيراً، أول ذلك في الفاتحة، ثم إن اسمه سبحانه الرجمان يغلب وروده حيث يراد الإشارة إلى العفو والإحسان والرفق بالعباد والتلطف والتأنيس، فمن مراده في التأنيس، فمن مراده في التأنيس البسملة، وأم القرآن، وصدر سورة طه، وآية الشعراء المتكلم فيها، وما ورد من مثل الوارد في سورة الفرقان في قوله تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ)(الفرقان: ٦٠)، فتحقيق الاعتبار يقتضي تأويله بالرجوع إلى ما ذكرنا، وأما اسمه الرب فيعم وروده طرفي الترغيب والترهيب.
أما الترغيب فبين، وأما الترهيب فحيث يرد معنى ملكيته سبحانه لهم، وانفراده بإيجادهم، وإدرار أرزاقهم، وبيان انفراده تعالى بذلك، ثم هم ذلك على كفرهم. ولما تقدم قبل آية الأنبياء من الأخبار ما طيه وعيد وترهيب مع تلطفه سبحانه بهم بتذكيرهم لم يكم ليناسب ذلك ورود اسمه الرحمان، ألا ترى أن قوله تعالى:(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ)(الأنبياء: ١) أشد تخويفاً للمخاطبين، ثم لفظ الناس لفظ لا يخص به المؤمنون، إنما يرد حيث يراد عموم المخاطبين، ويكثر حيث يراد الوعيد والإنذار والتخويف والدعاء الأولى إلى العبادة والدخول في الإسلام، وأما ما ذكر بعد وصفه بالغفلة والإعراض وما انجر مع ذلك فأهل الكفر والتكذيب، والسورة مكية ولفظ الناس عام كما تقدم، إلا أن قوله بعد:(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(الأنبياء: ٣) خاص بمن حكى قولهم الذي أسروه وهو: (هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)(الأنبياء: ٣)