الآية الأولى منها قوله تعالى:"فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " وفى سورة الشعراء: "فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " فانفردت آية الأنعام بزيادة قوله "بالحق لما جاءهم " وبقوله "فسوف " من حرفى التنفيس بدل السين فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب والله أعلم: أن آية الأنعام لما ترتبت على إطناب وبسط آيات من حمده سبحانه وانفراده بالخلق والاختراع فقال تعالى: "الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " فذكر سبحانه خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور فالظلمات عن أجرام هذه المخلوقات والأنوار عن أجرام ما جعل فى السماوات وزينها بها من شمس وقمر وكواكب للقتداء والضياء.
ثم ذكر خلقهم كم طين وقد تردد فى الكتاب العزيز تنبيه المكلفين بما صدرت به سورة الأنعام فقال تعالى:"إن فى السماوات والأرض لآيات للمؤمنين " وقال تعالى: "تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ".
ثم قال بعد آية الأنعام:"وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " فلما تقدم هذا الإطناب ناسبه ما أتبع به من قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا يستهزئون " فناسب الإطناب الإطناب.
وقال تعالى قبل آية الشعراء:"تلك آيات الكتاب المبين " ثم اعترض بتسلية نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: "لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " وليس هذا المعترض به مما ذكروا به ثم قال بعد: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " وهذا راجع إلى تسليته عليه السلام فلم يبق مجردا لتذكيرهم سوى قوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين " وما بعد من وعيدهم وتهديهم بقوله: "وما يأتيهم من ذكر .. "الآية، وهذا إيجاز فناسبه ما نيط به من قولهم:"فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " إيجازا لإيجازا وإطنابا لإطناب.
الآية الثانية: قوله تعالى: " ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم