للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجي (شكرهم) مع اتحاد المقصود من إبداء عظيم النعمة بالإسماع والإبصار، فللسائل أن يسأل عن الفرق؟

والجواب، والله أعلم: أن آية النحل مبتدأة بقوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) (النحل): ٧٨)، فناسب هذا - لكونه وصف حال قبل تعيين التكليف ورود الترجي لأن يكون منهم الشكر لذكره إياهم في حال لم يتهيؤوا فيها بعد لقبول أمر أو نهي أو إعراض عن ذلك، ولا يتعلق بهم التكليف، فناسب هذا ذكر الترجي.

أما الآيتان بعد فالإخبار فيهما عن أحوال من استوفى سن التكليف وعقل الخطاب (وشاهد العضات) وفهمها، وتكرر عليه التذكار فلم يجد عليه شيئا، ألا ترى أن قبل آية المؤمنون (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) (المؤمنون: ٧٦)، إلى ما اتصل بهذا.

فقد صدر عن هؤلاء التعامي فخالف الوارد في آية النحل، فناسب ذلك هنا نفي شكرهم.

وأما آية الملك المخاطب بها من قيل له تعريفاً وتوبيخاً (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ) (الملك: ٢٠) إلى قوله: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) (الملك: ٢٣)، والآي مشيرة إلى موالاة إنعامه سبحانه على عبادة وإدرار أرزاقهم إلى ما يجري مع هذا، فناسب ذلك الحين لم يجد عليهم مستمر إحسانه ومتوالي إنعامه أن نفى تعالى شكرهم، فقد وضح التناسب في هذه الآي، ووردت كل واحدة منها على ما يجب، وإن عكس الوارد غير مناسب.

الآية الثانية عشرة: غ - قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ) (النحل: ٧٩)، وفي سورة الملك: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ) (الملك: ١٩)، فورد في الأولى: (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ) وفي الثانية: (إِلَّا الرَّحْمَنُ) ومقصود الآيتين في التنبيه على الاعتبار بعظيم قدرته تعالى وعلى حكمته في تسخير الطير في جو السماء وتسخير الهواء وتهيئة (لذلك) بتقدير العزيز الحكيم مقصود واحد، للسائل أن يسأل عن ذلك؟

والجواب، والله أعلم: أن آية سورة الملك لما انطوت على ذكر حالين للطائر من صفة جناحية وقبضهما، وهما حالتان يستريح إليهما الطائر، فتارة يصف جناحية كأنه لا حركة به، وتارة يقبضهما إلى جنبيه حتى يلزقهما بهما، ثم يبسطهما ويقبضهما موالاة بسرعة كما يفعل السابح، فناسب هذا الإنعام منه تعالى وورد اسمه الرحمان. أما آية

<<  <  ج: ص:  >  >>