والجواب: أن آية سبأ تقدم قبلها تعالى مخبراً عن الكافرين: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ)(سبأ: ٢٠)، ثم قال بعد آية من تمام الآية التي قبلها:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(سبأ: ٢٢)، فجيء بالاسم الظاهر ليكون أبعد على إيهام عودة الضمير ورجوعه إلى المتبع لهم في الآية المتقدمة، وإنما المراد قل ادعوا كل من اتبعتم بعبادة أو صغو إلى ما يريده من إضلالكم، ولا شك أن إبليس رأس المضلين، وأولى من أمروا تعجيزاً لهم وقطعاً (بهم) بدعائه في قوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(سبأ: ٢٢)، فورد التحفيظ بإيراد الظاهر مما كان المضمر يوهمه، وجاءت الآية على ما يجب.
أما آية بني إسرائيل فإن قبلها قوله تعالى:(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ)(الإسراء: ٥٤)، ثم قال:(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الإسراء: ٥٥) الآية، ثم قال:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ)(الإسراء: ٥٦) بالضمير مناسبة، ولم يكن ليناسب الظاهر هنا، فجاء كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
فإن قيل: فقد ورد قبل قوله: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ)(الإسراء: ٥٤)، وقوله:(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ)(الإسراء: ٥٣) كما ورد قبل آية سبأ، فلم خصت آية سبأ بعودة الاسم ظاهراً دون آية بني إسرائيل؟ قلت: ورد ذكره في بني إسرائيل (محذراً منه) موصوفاً بنزعه وعداوته، مع أن الآية خطاب بأمر المؤمنين بقوله:(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(الإسراء: ٥٣)، والإضافة في قوله:(وَقُلْ لِعِبَادِي) إضافة تخصيص، والأمر أمر بما هو أولى، وليس يواجه ولا يخاطب بها إلا المؤمنون، ثم إنها أتبعت بما يلائم الآية المتكلم فيها أجل ملاءمة. وأما ورود ذكر إبليس في سورة سبأ فمتصل بالآية، وإبلييس فيها موصوف بأنه أتبع، وأنه صدق ظنه على المذكورين، والآية إخبار عن الكفار، والكلام كله إعلام بحالهم إلى قوله:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)(سبأ: ٢٢)، فهذا الاعتراض غير لازم، وورود كل من الآيتين على أعلى تناسب وأجل ملاءمة، ولو قدر عكس الوارد لما صح على الجاري المطرد في نظم الكتاب العزيز، والله أعلم بما أراد.