للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة المؤمن]

الآية الأولى منها - غ - قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ) (غافر: ٧)، وفي سورة الشورى: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) (الشورى: ٥)، للسائل أن يسأل عن الوجه في تخصيص سؤال الاستغفار للمؤمنين في الأولى وتعميمه في الثانية؟

والجواب، والله أعلم: أن ذلك جار بحسب المناسبة، ولما تقدم الآية الأولى فيما ختمت به سورة الزمر من ذكر المتقين في قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) (الزمر: ٧٣)، وقول الداخلين عند دخولهم الجنة: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر٧٣)، وقول الداخلين عند دخولها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ) (الزمر٧٤)، إلى ختام السورة، ثم تبع ذلك قوله تعالى في مطلع سورة المؤمن: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) (غافر: ٣)، ناسب هذا استغفار الملائكة للمتصفين بصفات المذكورين، ويشهد لهذا ما ورد بعده من قوله تعالى مخبراً عن ملائكته بقولهم داعين: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) (غافر: ٧)، وأما قوله تعالى أثناء هذه الآية: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) (غافر: ٤)، وقوله: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (غافر: ٥) إلى قوله: (فَأَخَذْتُهُمْ)، فتأنيس للمؤمنين وباعث على شكر النعمة على ما من به عليهم من هدايتهم وسلامتهم من موجب أخذ من كذب وعاند، فبان التناسب في هذا كله.

وأما سورة الشورى فتقدمها قوله تعالى في خاتمة سورة السجدة: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (فصلت: ٥٢) إلى قوله: (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ) (فصلت: ٥٤)، (ثم) اتبع هذا في مطلع سورة الشورى بقوله تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الشورى: ٥)، فناسب هذا استغفارهم لمن في الأرض لعظيم ما تقدم منهم مما أشار إليه قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ)، فلولا حلمه تعالى لتعجل هلاكهم، فاستغافر الملائكة إبقاء سبحانه عليهم إذ لا يفوتونه، وقد يؤمن من سبقت له السعادة منهم، فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>