للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والانتقالات على ما وضح من التدريج لا تكون إلا من فاعل قادر مختار عليم حكيم، وقد فسر مقصود هذه الآية وزاده إيضاحاً قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ .... ) (يس: ٧٨)، وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ .... ) (الأنبياء: ١٠٤)، ويزيد هذا المقصود أيضاً بياناً تعقيب آية الحج بقوله: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: ٥)، فهذا إحياء بعد الموت، ثم قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحج: ٦)، فتأمل هذا التعقيب وافتتاح الآية بقوله: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) (الحج: ٥)، واعتبر ما انطوت عليه هذه الآي يلح لك ما تقدم من مقصودها.

أما آية سورة المؤمن فلم تتجرد لهذا الغرض وإن تضمنت ذلك بالإيجاز، وإنما بناؤها على تذكير الخلق وتنبيههم على وحدانيته سبحانه وانفراده بالخلق والأمر وتنزيهه عن الشركاء والأنداد ونفي ما عبد من دونه تعالى، وتأمل ما تقدم من لدن قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (غافر: ٥٧) الآية المذكورة وما بعدها يبن لك ما قصد بهذه الآية، وإنما اختصت عن آية سورة الحج بما ذكرنا، واختصت تلك بما تقدم، فلذلك زيد فيها من التفصيل ما تقدم، ولم يكن العكس ليناسب، والله أعلم بما أراد.

الآية الثانية قوله تعالى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الحج: ٢٢)، وفي سورة السجدة: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة: ٢٠)، هنا سؤالان: الأول قوله في آية الحج: (منغم) ولم يرد ذلك في سورة السجدة؟ والثاني ما أعقبت به كل من الآيتين؟

الجواب عن الأول: أن زيادة قوله: (من غم) في الآية الأولى مناسب لما ورد قبله وبعده من تفصيل الجزاء في الطرفين بعد ذكر الحالين من نعيم أو عذاب لما قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) (الحج: ١٩) إلى قوله تعالى: (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (الحج: ٢١)، وقال في الطرف الآخر: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... ) (الحج: ٢٣) إلى قوله: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج: ٢٣)، ففصل حال هؤلاء، فناسب هذا زيادة: (من غم)، ونظير هذا التفصيل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>