الآية الأولى منها - قوله تعالى:(فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النمل: ١٠ - ١١)، وفي سورة القصص:(أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)(القصص: ٣١)، للسائل أن يسأل عن القول لموسى، عليه السلام، عقب قوله عندما ولّلى مدبراً (لما رأى) من فعل الله سبحانه في عصاه حين ألقاها من اهتزازها كأنها جان، فنودي تأنيساً وإعلاماً بما الأمر عليه، ولا شك أن ذلك في مقام واحد وحال ابتداء أمره ورسالته، فالمعنى واحد، فما وجه اختلاف العبارة؟ فأقول جواباً لهذا السؤال - وأسأل الله توفيه وعصمته - إنه قد تقدم في سورةطه أن الوارد من هذا القصص إنما أخبرنا به على المعنى، وإنما خوطبنا باللسان العربي، وخاطب موسى باللسان العبراني، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)(إبراهيم: ٤)، وجل كلام ربنا عن الحرف والصوت وعن شبه كلام البشر، وبسط هذا في مظانه، وإذا تقرر أنا إنما خوطبنا بلساننا، وأن الاختلاف والتفاوت فيما بين الألسنة معلوم، والمعاني لا تخلتف، فالمراد من الوارد في السورتين أن موسى، عليه السلام، أُمن من خوفه الذي لحقه، وأُعلم أنه من الآمنين، وأن الآمنين لديه سبحانه هم المرسلون، ومن اهتدى بهديهم ممن سبقت له الحسنى، ومن لحق بهم ممن ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء وسبقت له من الله الحسنى، فهؤلاء هم الآمنون لدينه سبحانه بما سبق لهم، ولا يجب عليه سبحانه إلا ما أوجبه على نفسه، فهذا الحاصل من المقول لموسى، عليه السلام، في السورتين من غير اختلاف في شيء من معناه، وهو المراد بقوله سبحانه:(وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)(القصص: ٣١)، وبقوله:(لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ... )(النمل: ١٠ - ١١)، والاستثناء منقطع، وليس المراد إلا من ظلم من الرسل، ولا يكون من الاستثناء المتصل كما قاله بعض المحرفين من ذوي الضلال، فإن الرسل، عليهم السلام، معصومون من الكفر مطلقاً باتفاق من أهل القبلة إلا ما قالته الشوذية ومن قال بقولهم من المارقين ممن لا عبرة به، والظلم هنا هو الكفر فما دون، وقد عصم الله الرسل ومن شاء عصمته من