قوله تعالى:(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)(التكوير: ٦)، وفي سورة:(وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ)(الإنفطار: ٣)، يسأل عن اختصاص الأولى بقوله:"سجرت" والثانية بقوله "فجرت"؟ والجواب عن ذلك - والله أعلم - أن قوله:"سجرت" معناه ملئت، من قولك سجرت التنور إذا ملائته بالحطب، وقرئ مخففاً ومثقلاً والمعنى واحد، والمراد اجتماع مياهها وأما قوله:"فجرت" فتح بعضها واختلط العذب بالمالح فصار بحراً واحداً بزوال البرزخ الحاجز بينهما، وكل من الإخبارين (يؤدي معنى غير المعنى الآخر، فإن الامتلاء غير الانفجار، ثم كل من الإخبارين) مناط بالآخر لما بينهما من الشبه، ولهذا جرى كلام أكثر المفسرين على تفسير كل واحد من اللفظين بما يحرز المجموع من معنييهما، وتفاصيل ذلك على ما ذكرته مما يقتضى التباين لا الترادف، والإخبار بكل واحد منهما مقصود معتمد لكمال المراد.
وإنما خصت سورة الإنفطار بلفظ الإنفجار ليناسب مطلع السورة وافتتاحها، ألا ترى في انفجار العذب إلى المالح والمالح إلى العذب وبعضها إلى بعض انفطار ناسب انشقاق السماء وانفطارها. فانفطار السماء، وانفجار البحار، وبعثرة القبور، وانتشار النجوم، كل ذلك متناسب أوضح تناسب وأبينه. وحشر الوحوش وتزويج النفوس، وتسجير البحار، هذا كله اجتماع وائتلاف يناسب بعضه بعضاً، كما أن انفطار السماء، وانتثار الكوكب، وتفجر البحار، وبعثرة القبور، يناسب بعض ذلك بعضاً، فالتحام هذه الجمل في السورتين أبين التحام وأوضحه ملاءمة وتناسباً. فورد كل من ذلك على ما يجب ويناسب، والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية (منها) قوله تعالى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)(التكوير: ١٤)، وفي سورة الإنفطار:(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)(الانفطار: ٥)، (للسائل أن يسأل عن موجب الاختلاف مع اتحاد المقصود في السورتين)؟
والجواب عن ذلك (والله أعلم) أن المعنى في الآيتين واحد، إذ الذي تحضره كل نفس هو الذي قدمت من عملها وأخرت، إلا أن كلا من الموضوعين في السورتين خص بما يناسبه.
أما الآية الأولى فإنه لما انحصر فيها وفيما قبلها من أول قوله: (إِذَا الشَّمْسُ