أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) (الكهف: ٦ - ٦٧) فلما كان من موسى عند خرق السفينة ما كان من الإنكار بقوله: (خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)(الكهف: ٧١)، ذكره الخضر بما كان قد قاله له، من غير أن يزيده على إيراد ما كان قد قاله، فقال:(أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)(الكهف: ٧٢). فاعتذر موسى، عليه السلام، بقوله:(لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)(الكهف: ٧٣)، فلما وقع منه بعد ذلك إنكار قتل الغلام بقوله:(أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ)(الكهف: ٧٤)، وأبلغ في وصف الفعلة بقوله:(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا)(الكهف: ٧٤)، قابل الخضر ذلك بتأكيد الكلام المتقدم، فقال:(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)، فالضمير المجرورة بيان جيء به تأكيداً، ليقابل بالكلام ما وقع جواباً له من قوله موسى، عليه السلام، زيادة للتناسسب، وتعلق المجرور الواقع بياناً مختلف فيه، فمنهم من يعلقه بفعل مضمر، ومنهم من يجري حرف الجر الذي فيه كحرف الجر الزائد فلا يعلقه بشيء، وقوله:(إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) على هذا لامأذخ معمولاً للقول من قوله: (أَلَمْ أَقُلْ).
ويمكن عندي فيه وجه آخر، وهو أن يكون قوله:(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) كلاماً مستقلاً، محذوفاً منه معمول القول، وكأنه في تقدير: ألم أقل لك ما قلت، ثم استأنف المقالة فقال:(إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) على هذا ليس معمولاً للقول من قوله: (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)، إنما معمول (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)،
محذوف مقدر، كما حذف معمول القول من قوله تعالى:(قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا)(يونس: ٧٧) ومعمول القول محذوف تقديره: أتقولون للحق لما جاءكم سحر مبين، ثم قال لهم تقريعاً وتوبيخاً:(أَسِحْرٌ هَذَا) فسحر مبين المقد معمول للقول، وهو من قولهم، وقوله:(أَسِحْرٌ هَذَا) من قول موسى، عليه السلام، توبيخاً لهم كما ذكرنا. فكذا حذف من قوله:(أَلَمْ أَقُلْ لَكَ)، كما تقدم، والله أعلم.
الآية السادسة من سورة الكهف، قوله تعالى:(فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)(الكهف: ٩٧)، للسائل أن يسأل عن الفرق الموجب لمجيء استطاعوا بالتاء دون الآول؟
والجواب أنه يقال: أستطاع واستاع واسطاع، والأول الأصل، ثم يحذفون أحد الحرفين تخفيفاً، فجيء أولاً بالفعل مخففاً عند إرادة نفي قدرتهم على الظهور على السدّ والصعود فوقه، ثم جيء بأصل الفعل مستوفى الحروف عند نفي قدرتهم على نقبه