الآية الأولى (منها قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(النور: ١٠)، (وبعد ذلك): (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(النور: ٢٠)، يسأل عن وجه الاختلاف في المعطوفات في الآيتين من الصفات العلية إخباراً من قوله في الأولى:(وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(النور: ١٠) وفي الثانية: (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(النور: ٢٠)؟ وهل كان يناسب عكس الوارد؟
والجواب أن الآية الأولى لما اتبنت على آية التلاعن، وفيها من الستر على المسلمين ممن امتحن بتلك البلية، ومن إخفاء الحكمة في حكم التلاعن وشرعيته على ما استقر (عليه) أمره، مما يعجز عن فهمه كل معتبر، أعقبت بالصفتين المناسبتين لما ذكرنا مما هو غيرر خاف فقيل:(وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(النور: ١٠)، ولما تقدم قبل الآية الثانية قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)(النور: ١٩)، وجرى بظاهر هذه الآية من الوعيد ما يشتد خوف كل مؤمن (منه)، أعقب ذلك بصفتين مبقيتين رجاء المؤمنين، ومشعرتين بأن هذا العذاب أن نفذ الوعيد به ليسس الخلود في النار، وما لم يكن من فاعل ذلك كفر باعتقاد حلية تلك المعصية أو التكذيب بالعويد أو التلبس بما هو كفر، وأنه إذا لم يكن شيء من هذا فلا قاطع عن التوبة، فقال:(وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(النور: ٢٠)، فقد وضح أن ورود كل من هذه الصفات المعطوفة على ما يجب ويناسب، وأن العكس لا يناسب، والله أعلم.
ومما يسأل عنه هنا جواب لولا كيف تقديره ولم حذف؟ وإن لم يكن هذا من مقصود هذا الكتاب. والجواب عنه أن التقدير في الآية الأولى: لَفَصَحَ فاعلَ ذلك، أو ما يرجع إلى هذا، وجوابها في الثانية: لَعَجَّل عذاَبَ فاعِل ذل من حيث إشاعة الفاحشة في المؤمنين، أو لأَهلَكَهم، وأما مسوغ الحذف فطول الكلام بالمعطوف، والطول داع للحذف فحذف ذلك ولدلالة ما تقدم عليه وذلك كثير في كلامهم.
الآية الثانية من سورة النور قوله تعالى:(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(النور: ٥٨)، ثم قال: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ