قوله تعالى:(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: ١٨ - ٢٢)، للسائل أن يسأل عن تكرر قوله تعالى (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) في قصة عاد مرتين ولم يقع في قصة قوم نوح وقصة ثمود بعد إلا مرة واحدة فما وجه تكرار ذلك في قصة عاد مرتين؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن عاداً لما كذبوا هوداً، عليه السلام، امتحنوا بالقحط ثلاث سنين، واشتد الأمر عليهم حتى بعثوا وجوههم إلى مكة ليستسقوا لهم، وقد اشتد الأمر عليهم، وهذا أشد تخويف لو وفقوا للتذكر، وقد خوف بذك آل فرعون قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(الأعراف: ١٣٠)، فخوفت بذلك عاد، فلما لم يجد ذلك عليهم مع أليم أمتحانهم به أهلكوا بالريح العقيم، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، فامتحنوا بعذابين، وإنما كان أخذ قوم نوح قبلهم وهلاكهم بالطوفان، ولم يتعرف من الكتاب العزيز أنه تقدمهم قبله أخذ بغيره من ضورب من أهلك به غيرهم، وكذلك ثمود أخذوا بالصيحة، وقوم لوط بالخسف والحجارة، وإنكا تكرر الإمتحان بعد عاد على آل فرعون فأخذوا بضروب من العذاب والامتحان إلى أن أغرق الله آخرهم مع فرعون، وممن أشار الكتاب العزيز إلى تنوع أخذهم قوم شعيب، ولم يقع ذكرهم في هذه السورة، فلما أخذت عاد بالسنين ثم اسؤصلوا بالريح العقيم ورد متكرراً، فأشار قوله أولاً:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) إلى ما قدم لهم من منع المطر وشدة السنين عليهم وما أنذروا به من ذلك، وأشار قوله ثانياً:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) إلى استئصالهم بالريح العقيم، ويجري مع ذكره ويشير إليه قوله تعالى:(قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ)(الأعراف: ٧١)، والرجس هنا العذاب ومنه أخذهم بالسنين، وأما الريح العقيم فمن غضبه سبحانه إلى ما يلحقهم منه في الآخرة، قال تعالى:(وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ)(هود: ٦٠)، فتكرر قوله تعالى:(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) مرتين مشيراً إلى ما قدم لهم مما باشروه وشاهدوه من العذاب بالسنين وقطه دابرهم واستئصالهم بالريح العقيم وجارياً مع هذا التنويع من امتحانهم في الدنيا والآخرة.