الآية الأولى منها قوله تعالى:(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)(النحل: ١١ - ١٣). يسأل عن توحيد آية (في الآية) الأولى والثالثة وجمعها في الآية الثانية المتوسطة؟ وعن تعقيب الأولى بقوله:(لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وتعقيب الثانية بقوله: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) والثالثة بقوله: (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)؟
والجواب عن السؤال الأول: أن الإشارة بقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ) في الآية الأولى إلى المنزل من السماء في قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ)(النحل: ١٠)، ثم قال:(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)(النحل: ١١) أي ينبت لكم بالماء المنزل من السماء - مع وحدته في الصفة - ضروب الأقوات والفواكه وأنواع الثمرات فقيل:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً) بالإفراد، لأن الإشارة إلى الماء أو إلى إنبات أنواع الثمرات المختلفات في الطعن والألوان مع وحدة المادة من الماء وهو واحد، وكذلك الآية الثالثة الإشارة فيها إلأى الجنس الواحد الواقع عليه لفظ (ما) من قوله: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُه) فأفرد هذا الضمير أيضاً لرجوعه إلى ((ما)) الواقعة على جنس واحد مبثوث في الأرض يشتكل على أنواع مختلفة في الطعوم والألوان، فأفرد لفظ الآية لما أفرد لفظ الضمير لوقوع ذلك على الجنس الذي عبرت عنه ((ما))، وهو جنس واحد، فاقتضى ذلك إفراد آية. وأما الآية المتوسطة فالإشارة فيها إلى خمسة أشياء مختلفة، أحيل عليها في الاعتبار، وسخرت لنا تسخيراً به قوام معشنا وصح أحوالنا ومعرفة حسابنا، وهي الليل والنهار والشمس والقمروالنجوم، وكل واحد من هذه تتسع جهات النظر فيه والاعتبار بعجائبه، فالليل للسكون والراحة والنهار للاكتساب والتصرف والسياحة، والشمس للإضاءة والتسخين، والقمر للنورية والترطيب والتكوين، وبكلا النيرين معرفة الشهور والسنين،