للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبين، فمن ذلك قوله (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) فإنه اخر تعالى عنهم بأنهم لم تجد عليهم البراهين ولا الآيات، إلا اتباع أمر فرعون، وقوله تعالى مخبراًً عنهم في سورة المؤمنون بقوله: (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) (المؤمنون: ٤٦)، إلا ما تبع ذلك محكيا من قبيح قولهم: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا) (المؤمنون: ٤٧ - ٤٨) وأخباره تعالى عنهم في سورة غافر في قوله: (سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (غافر: ٢٤)، فهذه المواضع لما ذكر فيها شنيع مرتكبيهم في تلقي دعاء موسى، عليه السلام، إياهم قدم تواطئه لسوء مرتكبيهم تأييده، عليه السلام، السلطان المبين ليفيهم ذلك أخذهم وهلاكهم بسوء مرتكبهم، وقدم في سورة يونس تواطئه لما ذكر فيها من استكبارهم واجترامهم تأييد موسي بأخيه هارون، عليهما السلام، وذلك من السلطان المبين، ولما تضاعف المحكي من مرتكبيهم وقبيح مقالهم في سورة المؤمنون قدم في ذكر إرساله تأييده باخيه والسلطان المبين مقابلة للاخبار عنهم بقوله: (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا) (المؤمنون: ٤٦ - ٤٨)، فاخبر تعالى عنهم بالتكذيب والاستكبار والاجترام والعلو تامردا وعلوا وادعاء المماثلة لهم في البشرية الاختصار لإقدارهما العلية، فقوبل هذا الاسهاب من مقالهم السيء بالإطالة في ذكر التأييد ليتناسب الطرفان. أما حيث لم يرد ذكر السلطان فنجد جوابهم في ذلك دون ما تقدم من التشديد كقولهم في سورة الاعراف: (فَظَلَمُوا بِهَا) (الاعراف: ١٠٣)، وقوله في سورة الزخرف: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ) (الزخرف: ٤٧)، فليس موقع جوابهم في هاتين السورتين كموقع ما تقدم في الآيتين، فنوسب بين طرفي الإدعاء والجواب.

الآية الخامسة عشر (من سورة هود) قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: ١١٧)، وفي سورة القصص: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص: ٥٩)، للسائل أن يسأل عن (قوله في) أولى الآيتين: (وما كان ربك) وفي الثانية (وما كنا)، وعن قوله في الأولى: (ليهلك) بالفعل الداخلة عليه لام الجحود، وفي الآخر: (مهلك) و (مهلكي) بسم الفاعل، وعن قوله في الأولى: ((مصلحون)) وفي الثانية: ((حتى نبعث في أمها رسولا .. ) الآية وفي الثالثة: ((إلا وأهلها ظالمون)) فتلك ثلاثة اسأله.

والجواب: أن آية هود تقدمها قوله تعالى (لَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>