الْأَسْوَاقِ) (الفرقان: ٧)، ثم ذكر تعالى قول الرسل لأصحاب القرية:(قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ *وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)(يس: ١٦ - ١٧)، وقول أصحاب القرية:(إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ)(يس: ١٨). فلما ذكر سبحانه هذه المخاورة والمراجعة قال تعالى:(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(يس: ٢٠) أي ممن لم يحضر معهم ولا شاهد ما طال من مراجعتهم، فجاء بحسب ما سبق له من السعادة يقول:(يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)(يس: ٢٠) إلى ما أخبر تعالى من قوله، فمجيئه من أقصى المدينة مثال لمن بعد فلم يضره بعده، وذكره المراجعين للرسل من أصحاب القرية مثال لمن قرب وطالت مباشرته وشاهد الآيات فلم ينفعه قربه، فلما قصد في آية يس مثال من ذكر من الفريقين خصت من تقديم المجرور على الفاعل ما يحرز المعنى المقصود، فهو من قبيل ما قدم للاعتبار والتهمم، وقد تقدم في مواضع إنشاد سيبويه، رحمة (الله) عليه:
لتقربن قرباً جلزيا ما دام فيهن فصيل حيا
فلإحراز هذا المعنى قدم هذا المجرور وتأخر الفاعل.
أما آية القصص فلم يقصد فيها شيء من هذا فجاءت على ما يجب ما تقديم الفاعل، وتناسب هذا كله، ووضح أن كلاً من الموضوعين لا يناسبه ولا يلائمه غير الوارد فيه، والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية من سورة القصص قوله تعالى:(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(القصص: ٦٠)، وفي سورة الشورى:(فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(الشورى: ٣٦)، يسأل عن زيادة قوله:(وَزِينَتُهَا) في الأولى؟ وعن تعقيبها بقوله:(أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وتعقيب الثانية بقوله: (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)؟
والجواب عن الأول: أن سورة القصص تضمنت ذكر قارون وما أتيه من المال الذي هو زينة الجياة الدنيا، قال تعالى:(وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)(القصص: ٧٦)، ثم أخبر تعالى عن زهوه واختياله بماله وظنه استحقاقه إياه، قال تعالى:(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)(القصص: ٧٩) حتى قال من غفل عن آخرته ولم يعلم ما أعد الله فيها للمؤمنين: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ)(القصص: ٧٩)، فقدم سبحانه للمعتبرين من عباده المؤمنين وتنبيهاً للغالفين لتحصل السلامة للسعداء ممن عصم بما ابتلى به قالرون فقال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ