الآية الأولى منها - قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر: ٢ - ٣)، وقال فيما بعد:(إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ)(الزمر: ٤١)، للسائل أن يسأل عن قوله أولاً:(إليك) وثانياً (عليك) وهل بينهما فرق يوجب خصوص كل واحدة من العبارتين بمكانها؟
والجواب: أن (إليك) وعليك) هنا مترادفتان على معنى واحد من معنى الخطاب، فتارة يراعى وصول المنزل بواسطة المَلك، وتارة يراعي وصوله من عند الله سبحانه من غير واسطة، فإذا روعي هذا قيل عليك، وإذا روعي الأول قيل إليك، قال تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ)(البقرة: ٤)، وقال تعالى:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ)(الكهف: ١)، والأول أكثر فبدئ هنا به.
ثم إنه ورد في الآية الثانية:(إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ)، واللام الجارة في قوله (للناس) تفيد الاختصاص وترادف كثيراً لفظة: (إلى)، تقول الأمر لزيد والأمر إلى زيد، قال تعالى:(وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ)(البقرة: ٢٧٥)، وقال:(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(آل عمران: ١٥٤)، فلو وردت الآية الثانية بإلى فقيل: إنا أنزلنا إليك الكتاب للناس، لكان ذلك كالمرادف لقوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب إلأى الناس، وكان يكون فيه إيصال الفعل إلى مجرورين بحرف واحد، وليس أحدهما معطوفاً على الآخر، والعرب لا تقضي الفعل مما يطلب إلا واحداً، فلا تقضيه ظرفي زمان بغير حرف تشريك، ولا ظرفي مكان، ولا تقضي مفعولين لفعل متعد إلى واحد، ولا ثلاثة مفعولين لمتعد إلى مفعولين إلا على طريفة البدلية، ولا يصح ذلك في الآية، أو على التشريك بحرف العطف، وليس ذلك في الآية أيضاً، فجيء بالآيتين على ما يناسب ويلائم، والله أعلم.
الآية الثانية من سورة الزمر قوله تعالى:(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (الزمر: ١١ - ١٢)، للسائل أن يسأل لم عُدي الفعل الذي هو أمرت أولاً بغير حرف جر ثم عدي ثانياً في قوله:(أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) بحرف الجر؟