قريش والعرب توبيخا لهم وتقريعا فقيل له:"قل " والمراد: قل لهم يا محمد: ": "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك.
... " الآية ولم يؤمر أن يقول هذا لأبى بكر وعمر وخاصة أصحابه إنما عنى به من يقول: "مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " فمن يصدر عنه هذا وأشباههه مما ينبئ عن الازراء وفساد الظاهر والباطن فهم المقول لهم: "لا أقول لكم عندى خزائن الله.
... " الآية فتكرر فيها قوله "لكم " تأكيدا يفهم التعنيف ويناسب التوبيخ والتقريع ونظير هذا وان خالفه فى تخصيص المخاطب بمقصود الكلام وإنما قصد به تعنيف مستحقى التعنيف ممن لم يخاطب فهو من قبيل قولهم: إياك أعنى واسمعى يا جارة ...
وقوله تعالى فى خطاب عيسى عليه السلام: "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى " فتأمل تكرار قوله "بإذنى " وما يتضمن من توبيخ من جعل عيسى عليه السلام إلها واتخذه معبودا فخزطب عيسى عليه السلام وهو المحفوظ المعصوم من توهم استبداد دل قدره صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولكن هذا كما قيل له صلى الله عليه وسلم: "أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله " والمراد بذلك تقريع من اتخذه عليه السلام إلها ومرادنا من هذا ما اجتمعت عليه هذه الآى من إشعار التقريع والتوبيخ الحاصلين من التأكيد والتكرار ثم يصرف ذلك فى كل من الآيتين لمن تأهل له ولما لم يكن ذلك مفصودا فى آية هود لم يرد فيها تأكيد ولا تكرار وجاء كل من ذلك على ما يناسب والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: "إن هو إلا ذكرى للعالمين " وفى سورة التكوير: "إن هو إلا ذكر للعالمين " للسائل أن يسأل عن وجه ورود الخبر بلفظ التأنيث فى الأولى والتذكير فى الثانية مع تذكير المبتدأ فيهما؟
والجواب عنه والله أعلم أن آية التكوير لما تقدمها القسم على القرآن بقوله تعالى: "فلا أقسم بالخنس " إلى ما وقع القسم به ثم ورد ضمير المقسم عليه فى قوله: "إنه لقول رسول كريم " أى أن القرآن لقول رسول كريم، والمراد به جبريل عليه السلام ثم اتبع بوصفه إلى قوله "ثم أمين " ثم قيل "وما صاحبكم بمجنون " والاشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فنزهه