والجواب عن السؤال الثالث أنه لما تقدم هذه الآية من مؤثرات الخوف والجهل ومهيجات الرهب واالخشية ما اقتضاه الاخبار بغيبة للقدر وجهل للمشيئة فى قوله:"إن الذين حقت عليهم كلمة ربك. .. "الآية
وقوله:"ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا " وعظم موقع ذلك على المؤمنين وكان مع ذلك للوفاء بمزدلفات الأعمال مما لا يحصل بالآمال أنسهم سبحانه بذكر الصفتين العليتين فقال: "وهو الغفور الرحيم " فناسب ورود الوصفين ما تقدم والله أعلم بما أراد.
الآية السادسة
قوله تعالى:"ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون " وقال فيما بعد من هذه السورة: قوله تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شئ " وفى سورة الأعراف: قوله تعالى: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون " وفى سورة العنكبوت: قوله تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه " وفى سورة الصف: قوله تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام " وفى هذه الآيات سؤالان: أحدهما وجه ورود الآيات فى هذه المواضع بهذا النص من قوله "فمن أظلم ممن افترى على كذبا " وتعقيب كل آية منها بما اتصل بها والسؤال الثانى: تعريف الكذب فى سورة الصف وتنكيره فيما عداها.
والجواب عن الأول: أن الأولى تقدمها قوله: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا يستهزئون " ثم قال تعالى بعد: "ولو أنزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين " فحصل من هذا افتراؤهم وفى قولهم: إنه سحر.
وتكذيبهم قال تعالى:"فقد كذبوا بالحق لما جاءهم " وجعلهم مع الله آلهة سواه فجمعوا بين الشرك والتكذيب فناسب هذا ورود قوله تعالى: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " على طريقة التعجب من مرتكبهم وسوء حالهم أى: من أظلم يا محمد من هؤلاء الجامعين بين الافتراء والشرك والتكذيب مع وضوح الشواهد وكثرة الدلائل الواردة أثناء هذه الآى مما لا يتوقف فيه معتبر فقد وضح تناسب هذا كله وحق لمرتكبه الوصف بالظلم الذى لا يفلح المتصف به وهو ظلم الافتراء على الله والشرك والتكذيب.