"ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " فقد نسبوا لهم النفع بالشفاعة وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم ... "الآية
وقال تعالى:"قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ... "الآية
وقال تعالى:"قل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده " وقال تعالى: "قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق " فدارت هذه الآيات على أنهم توهموا نفع ما اتخذوه معبودا من شركائهم فبطل توهمهم واضمحل باطلهم واتبع ما تقدم بقوله جل وتعالى لنبيه عليه السلام: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك " ثم بقوله تعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله " وحصل من هذا أن كل ما عبد دونه سبحانه وتوهم أنه يضر أو ينفع ليس كما ظنوه قال تعالى: "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه " فناسب ما تقدم من التنصيص على انفراده تعالى بالخلق والأمر.
والجواب عن السؤال الثانى والله أعلم: أن قوله تعالى هنا: "وإن يردك بخير " ولم يقل: "وإن يمسسك بخير " كما فى آية الأنعام أنه تقدم قبل هذه الآية قوله تعالى: "إن الذين حقت كلمة ربك لا يؤمنون ... "الآية
فهو إعلام منه سبحانه بجرى الخلائق على ما قدر لهم أزلا وسبق به حكمه تعالى ثم أعقب بقوله تعالى:"ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا " فهذا تأكيد للغرض المذكور من جرى العباد على ما قدر لهم وما شاءه سبحانه فيهم وإن ذلك لا يرده راد ولا يعارضه معارض فناسب هذا قوله تعالى: "وإن يردك بخير فلا راد لفضله " أتم مناسبة ثم وقع بعد هذا قوله تعالى: "يصيب به من يشاء من عباده " وإصابته سبحانه من يشاء بالخير هو المراد بقوله فى آية الأنعام: "وإن يمسسك بخير " فاجتمع فى آية يونس الأمران معا وكأن قد قيل: وإن يمسسك بخير ويردك به فلا راد لما أصابك به وأراده لك ففى هذه الآية من إمعان المقصود وتأكيده ما ليس فى آية الأنعام ليطابق هذا التأكيد والإمعان ما تقدم من قوله تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " وقوله: "ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا " ولم يتقدم فى آية الأنعام مثل هذا فوقع الاكتفاء هناك بقوله: "وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " فجاء كل على من هذا على أتم مناسبة وأوضح ملاءمة والله أعلم.