الآية الأولى منها قوله تعالى:(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)(الكهف: ٢٢) يسأل عن اختصاص الثمانية بالواو؟ ولِمَ لم ترد الجملة من قوله تعالى:(وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) صفة للنكرة قبلها كما تقدم فيما قبل؟ ولم عدل (إلى) العطف؟
وأظهر جواب عن هذا - والله أعلم - أن هذا الإخبار العليّ معرف باختلاف اليهود في فتيو الكهف، وإنهم أو أكثرهم لم يتحققوا عددهم، فحكى سبحانه قولهم، وانجر بإيماء وإشارة تقرير الصحيح من قولهم، مع أنهم أعني أكثر يهود غير عالمين بذلك ولا مرجحين، فأتى بالجملة الأولى وهي قوله:(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ) أعني المحكية بعد القول، إذ التقدير: هم ثلاثة، ثم سيقت الجملة من قوله:(رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) صفة للثلاثة، والجملة تقع صفة للنكرة وحالاً من المعرفة، ثم قال:(وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)، فسادسهم صفة للنكرة كالمتقدمة، ثم أتبع هذا الكلام من اختلافهم بقوله:(رَجْمًا بِالْغَيْبِ) فأفهم - والله أعلم - أن هذا ليس من نمط ما تقدم، فكأن (قد) قيل: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم وأن هذا ليس داخلاً تحت ما تقدم من أنه رجم بالغيب وأن الوصف بتلك الحال إنما يرجع لما قبله من قولهم: ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهم كلبهم كلام ابن عباس، رضي الله عنه، ومن تبعه من المفسرين.
قلت حكى سيبويه أن العرب ستعمل الحذف كثيراً في كلامهم، ومنه قولهم فيما حكى سيبويه، رحمه الله، (اللهم ضبعاً وذيباً)، وإذا كان القائل يدعو بذلك على غنم رجل قال: وإذا سألتهم ما يعنون؟ قالوا: اللهم اجمع فيها ضبعاً وذيباً، وحكى عن أبي الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له: لم أفسدتم مكانكم فقال: الصبيان بأبي، كأنه