لتمكن تعريفه، إذ هذا الضرب من التعريف من موانع الصرف ولا اعتبار بما دونه من المعارف في منع الصرف إلا لموانع أخر، فلهذا كان الثاني في قوله:(ألا بعداً لثمود) أولى بمنع الصرف، والله أعلم، وعلى هذا ورد ما أنشدوه (من قوله):
لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ ولم تسق دعدٌ في العلبِ
فالمؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن منقولاً عن مذكر فيه الوجهان الصرف وعدمه، إلا أن في اختصاص مكرره بالمنع تأنيس لما ذكرناه وإن لم ترد به الشواهد إذ باب هذا معروف ومفهوم لا توقف فيه.
الجواب عنه، والله أعلم: أن (أن) هذه الخفيفة كثيراً ما تزاد، وزيادتها على ضربين بقياس وغير قياس، فالذي بغير قياس نحو قوله:
كأن الظبية تعطو إلى وارث السلم
فزيدت بعد كاف التشبيه بينها وبين مجهورها، وأما التي تزاد بقياس فبعد لما، ولما ورد في آية هود قوله تعالى:(وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) ثم ورد هذا اللفظ بجملته في سورة العنكبوت متكرراً بعينه ورد أولا بغير ((أن)) على الأصل، وورد ثانيا بزيادة أن على الثاني ليحصل (بين) التواردين ما يرفع تقصاقل اللفظ المذكور.
فإن قلت: فإنه قد تباعد ما بين الآيتين ومثل هذا ما يحصل فيه ما ذكرت، فإقول: لما كان اللفظ اللفظ وكان زيادة (أن) وعدم زيادتها هنا هيناً فصيحاً جيء بالجائزين معاً وتأخرت الزيادة إذ هي غير الأصل إلى المتأخر من الآيتين.
فإن قلت: إن قوله تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ)(يوسف: ٩٦) لم يقع فيه تكرر فلم زيد فيه أن ولم يأت على الأصل؟ قلت: لما كان مجيء البشير إلى يعقوب، عليه السلام، بعد طول الحزن وتباعد المدة ناسب ذلك زيادة أن لما في مقتدى وصفها من التراخي، فورد كل من هذا على ما يجب، والله أعلم.