الآية الأولى منها - قوله تعالى:(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد: ١ - ٢) للسائل أن يسأل عن تكرير لفظ البلد وجعله معطوفاً وفاصلة في الآيتين؟ وكيف موقع ذلك في البلاغة وعند الفصحاء؟
والجواب أنه قد تقدم أن العرب مهما اعتنت بشئ وتهممت به كررته، وإن ذلك منفصيح كلامهم، وإن منه قولهم.
وإن صخرا لوالينا وسيدنا ... البيتين
والبلد الحرام لم يزل معظماً عند العرب، وما (دام) شأنه كذلك فتكريره مستحسن، مع أن التكرير هنا ليس كالتكرير الواقع في قوله.
لا أري الموت يسبق الموت شئ نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وقال الآخر:
ليت الغراب غداة ينعب دائباً كان الغراب مقطع الأوداج
لأن هذا مما أوقعوا فيه الظاهر موقع المضمر المحتاج إليه في ربط الخبر، وفجاؤوا به ظاهراً تهويلاً لأمر الموت فقال:" يسبق الموت"، وهو يريد يسبقه، وهو ضمير لازم جعل موضعه الظاهر تعظيماً له، والكلام واحد حصل فيه الربط بإعادة الاسم ظاهراً، وكذا فعل الآخر في قوله:" كان الغراب مقطع الأوداج "، أعاد الظاهر موضع الضمير، وارتبط الكلام وحسن إعادة الظاهر لما قصد من التهويل والتشنيع وعظيم ما توهم من التفاؤل به، وهذا فيما وقع في جملة واحدة، وأما ما يقع من تكرير المكرر في جملتين إذا كرر اعتناء أو تهويلاً فأفصح عندهم من الواقع في جملة واحدة لحصول مناسبة تحسن كقوله في عجز البيت المتقدم.