قوله تعالى:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)(الممتحنة: ٤) وبعد هذا: (قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(الممتحنة: ٦)، فيسأل عن موجب إعادة قوله:" لقد كان لكم يهم أسوة حسنة "؟ وعن متعلق كل واحدة من الآيتين هل كان يصلح ورود كل واحدة منها مكان الأخرى؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أنه تعالى لما أمر المؤمنين ألا يتخذوا أعداءه وأعداءهم أولياء بإلقاء أسباب المودة والنصيحة لهم، وسبب نزول هذه السورة قصة حاطب بن أبي بلتعة، رحمه الله، فى كتابة إلى أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم وما يريده فيهم، ودفعة ذلك إلى ظعينة، ونزول الوحي بذلك، فبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم علياً والمقداد وأمرهما أن يأتيا روضة حاج، وقال لهما: إن بها ظعينة معها كتاب إلى أهل مكة، فذهب علي والمقداد وأمرهما أن يأتيا روضة حاج، وقال لهما: إن بها ظعينة معها كتاب إلى أهل مكة، فذهب علي والمقداد، رضي الله عنهما، فوجدا الظعينة كما أخبرهما صلي الله عليه وسلم. وأنكرت الكتاب، فاشتد عليها علي، رضي الله عنه، وقال: لتخرجن الكتاب او لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتي به علي، رضي الله عنه، رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا الكتاب من حاطب، فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتبرأ حاطب من أن يكون فعل ذلك نفاقاً، واعتذر بما قبله منه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فنزل القرآن بتصديقه في اعتذاره فقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)(الممتحنة: ١)، فأمر تعالى بالتبري منهم وذكر كفرهم بما جاء المؤمنين (من الحق) وإخراجهم الرسول والمؤمنين من مكة من أجل إيمانهم، وتوعد فاعل ذلك فأخبر أنه قد ضل سواء السبيل، وقبل تعالى توبة حاطب، وأمر بالاقتداء إبراهيم، عليه السلام، يحن تبرأ هو ومن معه من المؤمنين من قولهم إلا ما كان من موعدة إبراهيم لأبيه بالاستغفار إلى أن تبين له أنه عدو الله تبرأ منه، فقال تعالى:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)(الممتحنة: ٤). فلما أوضح تعالى من ذلك ما فيه شفاء المؤمنين اتبعه تعالى بالقسم المؤكد لذلك فقال:(قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الممتحنة: ٦)، ودلت اللام الموطئة للقسم في " لقد كان " على تأكيد ما تقدمه من الأمر بالاقتداء والتأسي