للسائل أن يسأل عن تكرير ما ورد فيها؟ والجواب أنها لم تتكرر فيها آية واحدة إذا اعتبرت أن كل آية منها تفيد من المعنى وتحرر ما لا تفيده الأخرى بذلك التحرير، فكأنها متباينة الألفاظ لتباين معانيها مع جليل التشاكل وعلي التلاؤم والتناسب.
بيان ذلك أنه ورد في سبب نزول هذه السورة أن قريشاً قالوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم: أعبد آلهتنا سنة ونعد إلهك سنة، وروي أنهم قالوا: تعالى فلنشترك في عبادة ألهتنا وإلهك فنأخذ الخير حيث كان، فتبرأ صلي الله عليه وسلم من مقالهم وأنزل الله السورة فتلاها عليهم وهم مجتمعون في المسجد. فقوله:(لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)(الكافرين: ٢) أي لا أفعل ذلك يما أستقبله من زماني ولا أنتم تفعلونه فيما يستقبل، وهذا إخبار منه سبحانه عن أولئك العصبة أنهم لا يؤمنون، وهم الذين قتلهم (الله) يوم بدر، فهو إخبار بغيب. ثم قال تعالى:(وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ)(الكافرين: ٤) أي ولا أنا متصف فيما مضى من عمري إلى الآن بعبادة ألهتكم ولا كنتم أنتم فيما مضى متصفين بعبادة الله سبحانه، فحصل من ذلك الإخبار عن حال ما يستقبل منه صلي الله عليه وسلم ومنهم وعن حال ما مضى وتقدم منه صلي الله عليه وسلم ومنهم، فعبر عن أربعة أحوال متباينة وهي: احله، عليه السلام، فيما يستقبل وحالهم، وحاله فيما تقدم قبل وحالهم، فعبر عن هذه الأربعة بأربع آيات، فلا تكرار.
فإن قلت: فكيف تنزيل آي السورة على هذا؟ قلت: إن لا النافية إذا دخلت على المضارع المبهم مجردة عن قرينة من لفظ () خلصته للاستقبال، وقد دخلت في أول آية على قوله:" أعبد " فتخلص هذا الإخبار لما يستقبل، ثم بنيت الجملة من قوله:" ولا أنتم عابدون ما أعبد " على ما قبلها ليتقابل الإخبار ويلتئم نظم الكلام، وجئ فيه بالجملة الاسمية لأنها تحرز من حيث تسلط النفي على الصفة أنها لا توجد فيهم ولا يتصرفون بها في شئ مما يستقبلونه، ففي الصفة أحرز بتعميم ما يستقبل من نفي الفعل.
فإن قيل: فإذا كان نفي الصفة على ما ذكر فلم لم يأت كذلك أولاً فكأن يقال: لا