فلما كان الوارد في آية الكهف من وصف حالهم لا يبلغ مبلغ الوارد في آية الإسراء ورد فيه ذكر الاستغفار موازنه للين ما بني عليه من الإخبار بكثرة جدالهم، إذ ليس كالوارد في الآية الأخرى من الإفصاح بكفرهم وسوء حالتهم، ولم يناسب آية سورة الإسراء أن يرد فيها ذكر الاستغفار، وإن كان حال المحكي عنهم في الآيتين غير مفارق للكفر ولا نازح عنه حال الإخبار، وقد تقدم هذا في أول آية من هذه السورة، ولكن تناسب النظم في الشدة واللين مراعى معتمد، فجاء كل على ما يجب، (والله سبحانه أعلم بما أراد).
الآية الخامسة: غ - قوله تعالى:(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا)(الإسراء: ٩٨)، وفي سورة الكهف:(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا)(الكهف: ١٠٦)، ففي هذه الآية (جهنم) ولم ترد في الأولى مع وحدة المعنى، فيسأل عن ذلك؟
والجواب، والله أعلم: أن قوله في الأولى: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ) إلى ما اتصل به من قوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ)(الإسراء: ٩٧)، ثم قال (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ). الإشارة إلى ضروب عقابهم ومأواهم، واسم الإشارة متصل بما أشير بع إليه، لم يفصل بينهما إلا بوصف جهنم التي هي مأواهم، فجاء على ما يجب.
أما قوله في الثانية:(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ) فالإشارة إلأى جهنم المتقدم ذكرها في قوله (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ)(الكهف: ١٠٠) وقوله (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ)(الكهف: ١٠٢)، لما بعد ما بين اسم الإشارة والمشار إليه بما فصل به بينهما من قوله:(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا)(الكهف: ١٠٣) وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ .... )(الكهف: ١٠٥) الآيتين، فلبعد اسم الإشارة عما أشير به إليه أعيد مظهراً فقيل:(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ)، وجاء كل على كا جيب، والله أعلم.