الآية الأولى منها قوله تعالى:(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)(هود: ١٠)، وفي سورة حم السجدة:(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)(فصلت: ٥٠)، للسائل أن يسأل عن زيادة (منا) وزيادة (من) في سورة السجدة وسقوطهما معا في سورة هود؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أنه لم يرد في هود ما يستدعي تلك الزيادة، وأما سورة السجدة فتدم فيها قوله:(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي)(فصلت: ٤٧) قطعا بهم وتنبيهاً على سوء مرتكبيهم، وقد عاينوا الحق، وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل من شركاء الله سبحانه، وظنوا أي أيقنوا وعلموا أنه لا محيص لهم ولا مفر، فلما تقدم ذكر الشركاء قال تعالى:(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا)، فنبه تعالى بقوله (منا) على أن لا شريك له، ولا معطي غيره، وأنه لا يأتي العبد شيء من سواه سبحانه. ولما لم يتقدم في سورة هود ذكر لذلك لم يرد فيها التنبيه بقوله:(منا) وأما زيادة: (من) في قوله: (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) فمناسب لإطناب هذا الغرض في هذه السورة، فناسب ذلك الزيادة. ولإيجاز هذا القصد في سورة هود ناسبه سقوط (من)، فجاء كل على ما يناسب ويجب، ولم يكن ليلائم كلا من الموضوعين إلا ما ورد فيه، والله أعلم.
الآية الثانية منها:(بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(هود: ١٧)، وفي آخر السورة إثر قوله:(عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(هود: ١٠٨)، (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ)(هود: ١٠٩)، وفي سورة السجدة:() وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) (السجدة: ٢٣) بثبات نون تكن، وحذفها في آيتي سورة هود فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عنه، والله أعلم: أن العرب تصرفت في يكون عند دخول الجازم تصرفاً لم تفعله في نظائرها وما يشبهها، وبسط هذا في مظانه، فيكون الوجه في يكون عند دخول الجازم تسكين النون، فتحذف الواو عند التقاء الساكنين كما ورد في سورة