على تقديره، إذ اللام في قوله:(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) توطئة له ودالة على تضمين الآية معناه، وناسب ذلك زيادة لام التأكيد في خبر إن، وذلك ظاهر في معنى الآية. وأما آية لقمان فقوله فيها:(إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) مجرد إخبار عن حال ما وقعت الوصية به، ولا مدخل للقسم هنا ولا معنى له، فلم تدخل لام التأكيد في الخبر إذ ليس في الآية معنى قسم يستدعيها، ولا وقع في اللفظ ما يطابقها، فورد كل على ما يجب ويناسب، ولو قدر العكس لما ناسب، والله أعلم.
الآية الثالثة من سورة لقمان قوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(لقمان: ٢٩)، وفي سورة فاطر:(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ)(فاطر: ١٣)، وفي سورة الزمر:(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)(الزمر: ٥)، للسائل أن يسأل عن قوله في سورة لقمان:(إِلَى أَجَلٍ) بإلى، وفي السورتين بعد (لِأَجَلٍ) فجُر أجل باللام مع اتحاد المعنى، فما الفرق؟
والجواب، والله أعلم: أن آية لقمان تقدمها التنبيه على الاعتبار بها بقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) ثم قال: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) فعطف بواو النسق المقتضية الجمع، فدخل هذا مع ما قبله تحت حكم التنبيه بقوله:(أَلَمْ تَرَ)، وحكم التنبيه بالاعتبار منسحب على المجموع للاشتراك في اللفظ والمعنى، فطال الكلام بحسب ما اتقضاه مقصوده، فناسب طوله الجر بما يناسبه مما لا يخرج عن معنى اللام الجارة وهو إلى، فانجر الأجل بها. ولما بنيت الآيتان بعد على إيجاز ليس في آية لقمان ناسبه الجر باللام اكتفاء بما يحرز المعنى المقصود ويناسب التركيب، وورد كل على ما يناسب أتم مناسبة، والله أعلم.