(البقرة: ٢٨١)، فهذا عام للمؤمن والكافر وإن كان أظهر في المؤمن، فلا معنى تعنيف فيه، فوضح التناسب في الآيتين.
الآية الثالثة من سورة الكهف قوله تعالى:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا)(الكهف: ٥٧)، وفي سورة سجدة لقمان:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)(السجدة: ٢٢)، للسائل أن يسأل عن ورود آية الكهف بفاء التعقيب وآية السجدة بثم المقتضية المهلة؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن سورة الكهف مكية، والخطاب فيها من أولها إلى الآية المتكلم فيها لم يخرج إلى غير العرب، أعني أنه لم يتعرض فيها إلى إخبار بحال غيرهم، إلا ما عرفوه من قصة أهل الكهف وخبرهم، وهو من سؤالات قريش بتنبيه يهود إياهم حسبما وقع في الحديث، فقوله في الآية المذكورة:(بِآيَاتِ رَبِّهِ)، والمراد بالآيات القرآن ودلائله الواضحة، وإن كان اللفظ مقتضياً كل ما يسمى آية إلا أن آية القرآن أعمد ما قصد هنا، ويشهد لذلك قوله عز وجل:(إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)(الكهف: ٥٧)، وما تقدم الآية من قوله:(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ)(الكهف: ٥٤) الآية من قوله: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى)(الكهف: ٥٥)، والمراد به القرآن، قال تعالى:(هَذَا هُدًى)(الجاثية: ١١)، والحجة قائمة عليهم عقب سماعهم وتدبرهم، فورد بالفاء المقتضية التعقيب على ما يجب.
وأما آية السجدة، وإن كانت السورة مكية أيضاً، فإن الآية عامة في حق العرب وغيرهم، والإخبار فيها إنما هو عن جميع من شاهد آية بينة وكذب، ودليل هذا ما تقدمة مما هو على إطلاقه في العرب وغيرهم من قوله تعالى:(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)(السجدة: ١٨)، هذا عام في المكلفين، ثم فصل حالهم فيما بعد، ثم قال معلماً بحال الجميع على ما تورده العرب عند التعجب، ليباعد بين الأحوال:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)(السجدة: ٢٢)، فالمراد بهذه الآيات كل ما قامت به الدلالة ووضح منه الشاهد، كناقة صالح، عليه السلام، وانفلاق صخرة عنها، وانقلاب العصا حية، وغير ذلك من آيات موسى، عليه السلام، وبينات عيسى، عليه السلام، كإبراء الأكمة والأبرص، وإحياء الموتى، وانشقاق القمر لنبينا صلى الله عليه وسلم، ونبع الماء من (بين الأصابع)، وتكليم الجمادات، ونطق الحيوان إليه، وانقلاب الأعيان، وتكثير الطعام القليل، إلى آيات الكتاب العزيز المتلوة قرآناً، إلى ما لا يحصى