الرجاء راجع (إلينا) المنزه المتعالى عن الاتصاف به. وقد أحاط علمه سبحانه بما يكون منهم.
وأيضاً خوطبنا على ما نتعارف، قال سيبويه، رحمه الله، وقد تعرض لهذا وقد ذكر قوله تعالى:(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(المرسلات: ١٥)، و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(المطففين: ١)، فقال: لا ينبغي أن يقال دعاء بالويل ههنا لأن الكلام بذلك قبيح ولكن العباد إنما كلموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون، فكأنه - والله أعلم - قيل لهم:(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)، (ووَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم لأن (هذا) الكلام إنما يقال لصاحب الشر والمهلكة فقيل هؤلاء ممن دخل في المهلكة ووجب هذا، ومثل هذا:(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(طه: ٤٤) والعلم قد أتى (من وراء) ما يكون ولكن اذهبا أنتما على طمعكما ورجائكم ومبلغكما من العلم، وليس لهما أكثر من خذا ما لم يعلما. ومثله:(قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة: ٣٠) فإنما جرى هذا على كلام العرب وبه أنزل القرآن فقد تبين تساوي هاتين الآيتين في استدعائهما وصفه تعالى بالعزيز لما يحرز من المعنى المتقدم.
أما آية سورة الحج فقوله تعالى:(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)(الحج: ٢٤) إخبار منه سبحانه بما شاءه لهؤلاء من فوزهم وفلاحهم، قد تم حكمه وانقضى، فلم يكن ليناسبه ما يفهم القهر، وإنما المناسب ما يفهمه اسمه الحميد، وورد كل على ما يجب ويناسب، ولم يكن عكس الوارد ليلائم ولا يناسب، والله (سبحانه) أعلم.
الآية الثانية قوله تعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)(إبراهيم: ٣٢)، قال في سورة النمل:(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ)(النمل: ٦٠) ... الآية، يسأل هنا عن تأخير (لكم) في سورة إبراهيم عن لفظ (أنزل) وإيلائه إياها مقدمة في آية النمل ما وجه ذلك؟
والجواب: أن آية إبراهيم قد تقدمها قوله تعالى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ)(إبراهيم: ٣١)، وقد علم المؤمنون أن الله غني عن العالمين، وأن المنزل من ماء السماء إنما هو رحمة للعباد وإحياء للأرض بعد موتها، ليخرج ما بث فيها سبحانه من أنواع الحبوب والثمرات وغير ذلك مما به صلاح أحوال العباد وتتميم معائشهم، ولم يغب عن المؤمنين المذكورين قبل أن ربهم غني عن ذلك كله ومنفرد بخلقه والإنعام به، فلم