الآية الأولى منها: غ - قوله تعالى:(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ)(الذاريات: ٥ - ٦)، وفي الطور:(إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ)(الطور: ٧ - ٨)، وفي المرسلات:(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ)(المرسلات: ٧)، للسائل أن يسأل عن موجب اختلاف العبارة عما وقع القسم عليه؟ وما جُووب به مع أن المراد بذلك كله الجزاء الأخراوي؟
والجواب، والله أعلم: أن سورة الذاريات تقدمها في سورة ق إخباره سبحانه بالعودة الأخراوية وإقامة البرهان على ذلك لمن وفق لاعتباره فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ)، إلى قوله:(كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)(ق: ٦ - ١١)، ثم أعقب بذكر مكذبي الأمم وما حق عليهم من الوعيد الأخراوي بعد أخذ كل منهم في الدنيا بذنبه، ثم استمرت آي هذه السورة على هذا المنهج من ذكر البعث وحصر أعمال المكلفين وكتبها عليهم، مع علمه سبحانه بما توسوس به نفوسهم ووقوع الجزاء على ذلك، غفلة المكذب عن ذلك كله حتى يكشف له الغطاء فيشاهد ما لم يكن يحتسبه، أعقب بإزلاف الجنة للمتقين ووصفهم بما منحهم ووعدهم عليه، ثم أعقب بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر والتزام ما أمره به، وأن يذكّر بالقرآن المستجيبين الخائفين وعيده سبحانه، فلما اشتملت السورة على أوعاد وجزاء أعقبت بالقسم على ذلك، من صدق وعده سبحانه ووعيده، ووقوع الحساب على الأعمال، فقال تعالى:(وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)(الذاريات: ١) إلى قوله: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) (الذاريات: ٥ - ٦)، وتناسب النظم في ذلك كله أبين تناسب.
أما سورة الطور فالقسم فيها مرتبط بما أتصل به ووقع عليه القسم من قوله تعالى خاتمة سورة الذاريات:(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(الذاريات: ٥٩ - ٦٠) فأتبع قسماً على هذا بقوله: (وَالطُّورِ)(الطور: ١) إلى قوله: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ *مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ)(الطور: ٧ - ٨).
وأما قوله في سورة المرسلات:(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ) فمرتبط بما بنيت عليه سورة الإنسان، فإنها بجملتها درات آياتها وجرت على ما به ختمت من قوله تعالى: (يُدْخِلُ مَنْ