للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمخلوق فينفد، فقد وضح معنى الجعل هنا ومسوغه، وأنه لا يناسب هنا غير ذلك، ولا يناسب الآية الأخرى غير (أنزل)، فجاء كل على ما يجب والله أعلم.

الآية الثانية من سورة يوسف عليه السلام، قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (يوسف: ٢٢) وفي سورة القصص: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص: ١٤)، للسائل أن يسأل عن ثبوت قوله: ((واستوى)) في سورة القصص ولم يثبت ذلك في سورة يوسف؟ وهل كان يمكن ورود العكس في الآيتين؟

والجواب عن ذلك: أن الأشد مختلف فيه من البلوغ إلى استكمال أربعين سنة، وقد قيل بالزيادة على الأربعين، وظاهر القرآن أن الأشد يقع على دون الأربعين لقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (الأحقاف: ١٥)، فلو كان الأشد الأربعين لأدى إلى عطف الشيء على نفسه، فإنما الكلام في قوة أن لو قيل: حتى إذا بلغ أشده واستكمل وتم بالزيادة، والله أعلم، وإذا كان وقوع الأشد على ما ذكرنا، ولا يكون إلا على خال من العمر يحسن في الظبط والتدبير، والإحكام للأمور، والفهم للخطاب، وتحقيق مقادير الأمور، وهذا بِجَرْي العادة إنما ابتداؤه عند البلوغ أو قبل البلوغ، ثم يستحكم إلى الغاية التي إليها انتهاء تمام القوة واستحكام العقل، وتلك الأربعون، وعلى رأس الأربعين سنة بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم أن الله سبحانه قال في قصة يحيى بن زكريا، عليه السلام: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم: ١٢)، وهذا ولابد في غير (سن) الأربعين، وقال تعالى في قصة يوسف، عليه السلام، إنما ابتدئ بالوحي وسماع الكلام بعد فراره خوفاً من فرعون، قال تعالى: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: ٢١) وأفصحت آي القرآن أن ذلك كان بعد رجوعه وإنكاح شعيب عليه السلام إياه ابنته، ولم يخرج من مصر حتى ائتمر به للقتل وبعد وكز الذي كان من عدوه وقضائه عليه، ومجموع هذا إنما هو بخروجه، عليه السلام، عن سن الابتداء إلى استكمال الأشد وهو الاستواء، فقيل في قصته: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) (القصص: ١٤) أي استكمل وانتهى إلى أحسن الحالات في السن، وأما يوسف، عليه السلام، في الوحي إليه في الجب فحاله وإن بلغ ما يسمى أشداً غير حالة الاستواء، فامتنع مجيء

<<  <  ج: ص:  >  >>