قوله تعالى: وهى أول آية من متشابه هذه السورة -: "ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم " وفيما بعد: "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفرو رحيم " فاستوت الآيتان فى إعلامه تعالى نبيه والؤمنين أنه يتوب على من يشاء وفى ختم الآيتين بصفتين من صفاته سبحانه ثم اختلفت الصفتان فقيل فى الأولى "عليم حكيم " وفى الثانية "غفور رحيم "؟
ووجه ذلك والله أعلم أن الآية الأولى أعقب بها ما تقدمها متصلا بها من الآى فى كفار مكة وفعلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التضييق والاحراج وبدئهم بالقتال يوم بدر ونقضهم العهد فى قصة خزاعة فى صلح الحديبة وهذا كله مبسوط فى كتب السير والتفسير فأمر الله تعالى بقتالهم وخزيهم والنصر عليهم وشفاء صدور من آمن من خزاعة وغيرهم ممن آذوه قال تعالى:"قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صور قوم مؤمنين " ثم قال تعالى: "ويتوب الله على ما يشاء " كأبى سفيان ابن حرب وعكرمة بن أبى جهل إلى من أسلم منهم بعد ما صدر من اجتهادهم فى الاذاية والصد عن سبيل الله ثم قال "والله عليم حكيم " أى بما فى القتال وفى طى ما جرى من ذلك كله بتقديره السابق أولا إذ لا تترحك ذرة إلا بإذنه وتقدم علمه أولا وما فى ذلك من الحكمة وختم أفعالهم السيئة بالأوبئة والرجوع إليه سبحانه بسابق سعادة لمن شاهدها له منهم فهذا وجه النظم والتناسب فيه واضح.
وأما الآية الثانية فسببها - والله أعلم - ما جرى يوم حنين من تولى الناس مدبرين حين ابتلوا بإعجابهم بكثرتهم فلم تغن عنهم شيئا ولم يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم أحد إذ لم يبرح عليه السلام من مكانه فلم يثبت معه إلا القليل من العدد القليل فنادى العباس رضى الله عنه بآل الانصالر فاستجاب ناس وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ومكن نبيه والمسلمين أعدائهم والقصة معروفة فختمت هذه الآى بقوله تعالى:"والله غفور رحيم " تأنيسا لمن فر من