غ - قوله تعالى:(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا)(الجن: ٢٦) للسائل أن يسأل عن قوله تعالى: (على غيبه). بإعادة الظاهر مضافاً إلى الضمير، هل ذلك من قبيل ما تكرره العرب لتفخيم الأمر وتعظيمه؟ كما قال قائلهم.
لا أري الموت يسبق الموت شئ نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وقال تعالى:(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة: ١ - ٣)، وقال تعالى:(الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) (القارعة: ١ - ٣)، فيكون قوله:(على غيبه) واقعاً موقع: "عليه"، وتكون الآية على هذا مثل قوله:(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)(النمل: ٦٥) وما ورد من مثله وهو الذي يقتضيه قوله تعالى في مطلع هذه الآية: (عالم الغيب)، فلا يجب يكون بين الآي الواردة في هذا المعنى خلاف، ويكون مجمل جميعها على العموم؟ أم يراد بهذه (الآية) خصوص لم يرد بسواها من الآي الآخر وإن كان داخلاً تحت عموم تلك الآي؟
والجواب، والله أعلم: أن هذه الآية مراد بها خصوص ما انفرد سبحانه بعلمه ولم يطلع عليه أحد من خلقه ولا يظهر سبحانه عليه إلا من ارتضاه من رسله مع سلوك الرصد من الملائكة بين يديه ومن خلفه حفظاً لغيبه تعالى من مسترق سمع أو مستطلع، فهذا غيب لا سبيل لأحد من الخلق إليه على مقتضى الآية لا بتكهن ولا تنجيم ولا زجر ولا غير ذلك، وهو كوقوع الساعة وتجليها لوقتها إلى غيرها من غيوب استأثر سبحانه بها ولم يعلم أحداً بشئ منها ما هية فيتشوف مخلوق إلى تعرف وقت شئ منها أو كيفية ظهور أو غاية إذ لولا الإخبار الصدق بماهية الساعة لما وقع لأحد من العالم تشوف إلى تعرف قيامها ولا كنا لنعلم ما الساعة، وإذا لم نعلم ماهية مغيب ما لم نتشوف إلى تعرف ماهو تابع للماهية، فلهذا ضاق عنها نطاق التمثيل حتى أوهم كلام بعض الجلة أن المراد بهذا الغيب الذي استأثر سبحانه بعلمه إنما هو علم الساعة، وان ما سواها يمكن الوصول إليه بالكهانة والتنجيم والإلهام وغير ذلك، ولو أن هذا القائل أراد ظاهر ما يسبق من كلامه لما سلم له، لأنه لو لم نسمع باسم الساعة لعجزنا عن تعرف موجود مقدر الوقوع يسمي