الآية الأولى منها - قوله تعالى:(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... )(فصلت: ٩) الآيات، فقد تقدم ذكرها في سورة الأعراف.
الآية الثانية منها - قوله تعالى:(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(فصلت: ٢٠)، وفي سورة الزخرف:(حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)(الزخرف: ٣٨)، وقد تقدم في سورة الزمر قوله تعالى في أهل النار:(إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)(الزمر: ٧١)، وفي أهل الجنة:(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)(الزمر: ٧٣)، للسائل أن يسأل عن زيادة (ما) في وقله في سورة السجدة: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا) وسقوطها في سوى هذه الآية؟
والجواب، والله أعلم: أن (إذا) تزاد بعدها (ما) كثيراً فصيحاً، وقد لا تزاد، وكلا المرتكبين فصيح. إذا تقرر هذا فمن المعلوم أيضاً أن العرب مع أنهم يؤثرون إيجاز الكلام في الأكثر قد يختارون الطول وإطناب الكلام في بعض المواضع، وذلك بحسب ما تدعو إليه الحال:
وإذا تأملت آية السجدة وجدتها مبنية على ما يستدعي الإطالة وينافر الإيجاز لقصد استيفاء ما تضمنت من حال أهل النار في امتحانهم، ألا ترى تخصيصها بما ذكر فيها من شهادة الأسماع والأبصار والجلود، وعتبهم جلودهم في الشهادة عليهم بقولهم:(لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا)(فصلت: ٢١، ومجاوبة الجلود بقولها: (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(فصلت: ٢١)، إلى آخر ما كلمتهم به، ألا ترى أن الوارد هنا من قصصهم قد نيف على عشر آيات، وأن آية الزخرف وهي أطول البواقي ورد مضمونها في أربع آيات، وأما آية الزمر فلم تبلغ واحدة منها صلاص آيات. فزيدت - ما - في آي السجدة مناسبة لما انجر في ذلك المقصود بها من الإطناب والالستيفاء، ولم تزد في البواقي لما بنيت عليه من الإيجاز، فجاء كل منها على ما يلائم ويناسب، ولم يكن ليناسب عكس الوارد على ما تمهد، والله أعلم.