"ضل " ففى هذا سؤالان: أحدهما زيادة الباء فى آيتى النجم والقلم ويقوطهما فى الأنعام والثانى ورود الماضى فى آيتى النجم والقلم وورود المضارع فى الآية الأنعام.
والجواب عن الأول أن سقوط الباء الداخلة على "من " فى آية الأنعام إنما ذلك والله أعلم لاستثقال زيادتها مع الزيادة اللازمة للمضارع مع التقارب إيثارا للإيجاز أما آيتا النجم والقلم فلا زيادة فى الفعل لكونه ماضيا فزيد باء التأكيد الداخلة على "من " ويشهد لهذا اطراد زيادتها فى الآيتين لورود الماضى فيهما بخلاف آية الأنعام.
والجواب عن الثانى: أن آية الأنعام قد اكتنفها من غير الماضى من الأفعال والإعلام بما يكون قطعيا أو يتوقع فى المآل ما يقتضى المناسبة فى النظم ولو ورد غير الماضى هنا لما ناسب ولا لاءم، أما آية النجم فمبنية على مطلع السورة فى قوله تعالى:"والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى "، فقال تعالى مشيرا إلى حالهم:"إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " فبرأ نبيه صلى الله عليه وسلم مما نسبوا إليه وأثبت ذلك بكناية وتعريض أوقع فى نفوسهم من الإفصاح بتعيينهم وأما آية القلم فإنه لما تقدم فيها قوله تعالى: "ما أنت بنعمة ربك بمجنون " وقوله تعالى: "فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون " تهديدا لهم وتعريفا بكذبهم فى قولهم حين نسبوه إلى الجنون أعقب ذلك بقوله تعالى: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " فسجلت هذه الكناية بضلالهم وكذبهم وتناسب هذا كله أوضح تناسب.
الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى:"كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون "، وفى سورة يونس:"كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون "، للسائل أن يسأل عن الفرق؟
والجواب أنه لما تقدم قبل آية الأنعام قوله تعالى:"أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس " والمراد أو من كان ميتا فى غمرات الجهل والكفر فأحييناه بنور الإيمان والعلم كمن مثله فى الظلمات أى ظلمات الجهل والكفر متماديا على غيه غير مقلع عن كفره لا يجدى عليه إنذار ولا ينتفع بوعظ التذكار فسواء فى حقه الإنذار وعدمه فلما ذكر فى هذا الطرف من لم يشم بارق إيمان وسجل بعدم خروجه عن مقتضى موبقاته فى شنيع ذلك الخذلان أعقب تعالى: "كذلك زين للكافرين ما كانوا بعملون "فوسم بكفره للبأس من خيره.