(الصافات: ١٠٢)، وجواب أبنه، عليهما السلام، بقوله:(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)(الصافات: ١٠٢) وأتباعه ذلك تسلية لأبنه وامتثالاً لأمر ربه: ((سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(الصافات: ١٠٢)، فلما دل جوابه على عظيم حاله) وتلقيه عظيم هذا الأبتلاء بالرضا والصبر التام إمتثلاً لأمر رببه (وإرضاء لأبنه، كان ذلك مبيناً لجليل حلمه ووفور كماله) في حاله ما وصفه في سنه بالأولية والابتداء. أما آية سورة الذاريات فلم يقع فيها ذكر هذه القصة، فورد فيها وصفه بالعلم المحرز بجليل نبوته، ولو ورد في السورتين عكس الوصف الوارد لما ناسب هذه المناسبة الحاصلة، والله أعلم.
الآية الرابعة من سورة الصافات:(وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ)(الصافات: ١٧٥) ثم قال: (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ)(الصافات: ١٧٩)، يسأل عن الضمير المفعول وثبوته أولا في قوله:(وأبصرهم) وسقوطه ثانياً في قوله (وأبصر)؟ وعن وجه التكرار؟
والجواب عن ذلك: أن التكرار تأكيد وتشديد في الوعيد، وتناسب ذلك بين مألوف في كلام العرب، وأما سقوط الضمير في الثاني فيحرز عموماً لهم ولغيرهم في الوعيد لأن قوله:(وأبصرهم) المراد به أمره، عليه السلام، بأن يترقب ما ينزل (بهم) ويحل بساحتهم من الانتقام، وإعلامه صلى الله عليه وسلم، في بكفايته إياهم كما قال تعالى:(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(الحجر: ٩٥) فكان كذلك، وقال تعالى:(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(القمر: ٤٥)، ففعل بهم ذلك يوم بدر، فقدم (الله) سبحانه تأنيس نبيه، عليه السلام، بإخباره إياه في هذا الوعيد (لهم) بأخذهم وقطع دابرهم، ثم أردف هذا الوعيد بوعيد ثان فيه عموم يشملهم ولا يرجع عن تناول غيرهم ممن سلك مسلكهم، ويشعر بحاله هو، عليه السلام، وحال من أذعنواستجاب له فقال:(وأبصر) أي ترقب ما أفعل لك من تأييدك ونصرك وجزائك الأخراوي وجزاء من آمن بك بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما أفعل بمن عاداك وعاندك ممن باشرك بتمرده وطغيانه أو بعد عنك، من أخذهم وقطع دابرهم ووبيل جزائهم الأخراوي، هذا مفهوم لا يرجع إطلاق قوله:(وأبصر) عن عطائه وتعميمه، ذلك كله مما يعتضد من مواضع أخر، وتأمل ما فعل سبحانه بكسرى حين مزق كتابه صلى الله عليه وسلم تمرداً وطغياناً وإن لم يباشره، لما جاوز حد كفره إلى التمرد والطغيان مُزق هو وآله كل ممزق.
أما قوله:(وأبصرهم) فخاض التناول للمباشرين لمكان القييد بإعمال الفعل في ضميرهم، فهو وإن تناول أخذهم في الدنيا وتمكين نبيه والمسلمين منهم، ثم عقابهم