للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ممن سواهم، ثم إن من كان ظالماً لنفسه بالكفر أو بما دون الكفر ثم بدل حسناً بعد سوء فإنه راج ما وعد (الله) سبحانه، ومن مات على ظلمه ولم يكن كفراً فهو في المشيئة، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: ٤٨)، فما أفهمت آية النمل من هذا فهو المراد بآية القصص من قوله: (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)، ولم يقع في آية النمل (ذكر) غير المرسلين ممن لم يظلم نفسه إيجازاً، لأنه من المعلوم أنه إذا كان حال الظالم لنفسه المبدل حسناً بعد سوء على ما ذكرنا من الرجاء فحال من لم يظلم نفسه أولى، فسمع موسى، عليه السلام، من كلام ربه ما حصل به المعنى المقصود، ثم اختلف التعبير عندنا عن ذلك والمعنى (واحد)، فلا اختلاف.

فإن قيل: فما وجه اختصاص آية النمل بما ورد فيها وآية القصص بما ورد فيها؟

قلت: (هذا) سؤال لازم على شرطنا، والجواب عنه - إن شاء الله - أن سورة النمل لما ورد فيها قصة بلقيس وقومها، وعبادتهم الشمس حسب ما ورد في السورة في قوله: (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (النمل: ٢٤)، ثم هداها الله بسليمان، عليه السلام، حتى قالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: ٤٤)، ناسب هذا قوله تعالى في تأنيس موسى، عليه السلام،: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ) (النمل: ١١)، ولما ورد في آخر سورة القصص: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) (القصص: ٨٣)، وهي آي عامة في كل متصف بالإيمان متمسك بما في الآية، وقد أشارت إلى أمنهم لأنهم ممن سبقت لهم الحسنى، وقد نص الكتاب على أنهم آمنون لديه سبحانه حين قال: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) (الأنبياء: ١٠١)، ثم قال: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (الأنبياء: ١٠٣) فهم آمنون، فناسب قوله سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) (القصص: ٨٣)، ما خصت به هذه السورة من قوله في قصة موسى، عليه السلام: (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).

وجواب ثان، وهو أن الآمنين لما تقدم بيان أنهم المرسلون ومن ظلم من غيرهم (ثم) بدل حسناً بسوء، وحصل في طي هذا الكلام وضمنه أن من لم يظلم نفسه من غير المسلمين فلا توقف أنه من الآمنين، فلما تحصل بيان الآمنين وقعت الإالة في آية القصص على ذلك، ولم يحتج إلى تفصيل أحوالهم اكتفاء بما تقدم فقيل: (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)، وهذا الوجه الثاني كاف في حصول التناسب، والله أعلم.

الآية الثانية من سورة النمل، قوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>