للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة لقمان]

الآية الأولى منها - قوله تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لقمان: ٧)، وفي سورة الجاثية: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الجاثية: ٧، ٨) للسائل أن يسأل عن تخصيص آية لقمان بقوله: (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا)؟

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الجاثية لما تقدم فيها: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا)، فوصفه بسماع آيات الله لم يكن ليطابقه ذكر الوقر في الأذن لأنه قد ذكر سماعه الآيات، والوقر مانع من السمع، فلم يناسب الإعلام بالسماع ذكر الوقر المانع منه. فإن قيل: لو ذكر هنا الوقر في الأذنين لم يكن ليكون إلا تأكيداً لبيان توليه وإعراضه فكان يناسب، قلت لو وكد بذلك لاقتضى مقاربة عدم السماع، وليس المراد - واله أعلم - إلا أنه سمع وأعرض، فكأنه لم يسمع، ليجري الوارد هنا مع قوله تعالى فيمن صمم على كفره من يهود: (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: ٧٥)، وإذا أريد إبقاء سماعهم، ولم يرد منعه البتة، لم يناسبه التأكيد المقرب من المنع من أن التنبيه الواقع (مراد)، فحصل المقصود، والله أعلم. ولما لم يقع ذكر سماع الآيات في آية لقمان، وتقدم ذكر المشار إليه فيها بقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) (لقمان: ٦)، وهذه زيادة مرتكب، فناسبها ذكر زيادة الوقر. مع أنه لم يرد فيها ذكر سماعه الآيات كما ورد في آيةالجاثية، فازداد وضوح التلاؤم، وإن عكس الوارد لا يلائم، والله أعلم بما أراد.

الآية الثانية من سورة لقمان - قوله تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: ١٧)، (وقال في سورة) الشورى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: ٤٣)، يسأل عن مقتضى توكيد الخبر في هذه الآية وسقوط التوكيد من الأولى؟

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الشورى، لما دخلها معنى القسم، وكانت

<<  <  ج: ص:  >  >>