قبلها:"وإذا مس الإنسان الضر " والمراد هنا جنس الإنسان: "دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " أى دعانا على أى حال كان على مقتضى قوله تعالى: "ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " ثم قال: "فلما كان كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه " ذكر سبحانه من حال الإنسان حال متذكر داع عند مس الضر غير مشرك ولا كافر حال ففى حاله فى دعائه عند الضر ومروره فى المخالفات أو الغفلة عند كشفه شبه من حال المقول فيهم: "خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا "، فأعقب ذكر هذا الضرب بقوله تعالى:"كذلك زين للمسرفين " أى أن هؤلاء زين لهم لمرتكبهم فى مرورهم بعد كشف الضر عنهم على أحوالهم قبل مس الضر إياهم كما زين للمسرفين ما كانوا يعملون، فتشبهت أحوالهم بأحوال المسرفين ليزدجر المؤمن ويستعيذ من مثل تلك الحال ويدأب على الطاعة والتضرع إلى الله سبحانه، والمسرف هنا والله أعلم محتمل أن يراد به المسرف فى المعاصى دون الكفر أو المسرف فى كفره المقول فيه وفيمن كان على حاله:"وأن المسرفين هم أصحاب النار "، فعدل فى آية يونس عن أن يقال "للكافرين " إلى قوله "المسرفين " لما فى صفة الإسراف من الاحتمال لمناسبة ما تقدمه من تقلب حالتى الإنسان عند مس الضر إياه وكشفه عنه.
أما آية الأنعام فقد تقدمها قوله تعالى:"كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " فإنما ذكر فى هذه الآية طرفان قد بولغ فيهما وهما المجعول له نور يمشى به فى الناس لا يفارقه والمتخبط فى ظلمات لا يخرج عنها فلا يمكن أن تكون حال أسوأ من حال هذا لأن ذكر الطرفين لا واسطة بينهما يقتضى من حيث اليلاغة النهاية فى كل طرف فعبر هنا بصفة الكفر أما حال المسرف من حيث ما ذكرنا من الاحتمال فدون حال المتخبط فى الظلمات فعلى هذا يحتمل أن يكون الإسراف فيما دون الكفر فيكون المتصف به غير منقطع الرجاء إذا لم يبلغ الكفر، قال تعالى:"قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "، فشتان ما بين مسرف راج ومتخبط فى ظلمات كفر داج، فجاء كل على ما يناسب، ولم يكن ليناسب العكس بوجه، والله سبحانه أعلم.
الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى:"ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون " وفى سورة هود: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم