للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) (إبراهيم: ٣٢) إلى قوله: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) (إبراهيم: ٣٤)، فناسب ما ذكره تعالى من توالي إنعامه ودرور إحسانه ومقابلة ذلك من العبيد بالتبديل وجعل الأنداد وصف الإنسان بأنه ظلوم كفار.

أما آية النحل فلم يتقدمها غير ما نبه سبحانه وعباده المؤمنين من متوالي آلائه وإحسانه، وما ابتدأهم (به) من نعمة من لدن قوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ) (النحل: ٤)، ثم توالت (أيات) الامتنان والإحسان فقال تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ) (النحل: ٥)، فذكر تعالى بعضاً وعشرين من أمهات النعم إلى قوله منبهاً وموقظاً من الغفلة والنسيان: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (النحل: ١٧)، ثم أتبع بقوله سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (النحل: ١٨)، فناسب ختام هذا قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل: ١٨) فجاء كل على ما يناسب، والله أعلم.

الآية الرابعة: غ - قوله تعالى: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (إبراهيم: ٥٢)، وفي سورة ص: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: ٢٩)، للسائل أن يسأل عن وجه اختصاص آية إبراهيم بقوله: (ليذكر) وآية ص بقوله: (ليتذكر) بتاء التفعيل؟

والجواب، والله أعلم: أن كلا الموضعين حاصل فيه التناسب، أما آية ص ففي قوله (ليدبروا) حرفان من الحروف الشديدة وهما الباء والدال وثانيهما مضعف فنسق عليهما قوله: (وليتذكر) وفيه أيضاً حرفان من حروف الشدة وهما الكاف والتاء وثانيهما مضعف، والتناسب بهذا واضح. وأما آية إبراهيم فورد فيها: (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا)، وقد عربت الكلمتان من حروف الشدة وإنما جميعها من الرخوة وهي ضد الشديدة، فناسبها عطفاًعليها قوله: (وليذكر) إذ ليس فيه من الحروف الشديدة غير الكاف، وأيضاً فإن يذكر ويتذكر معناهما واحد، والأصل للمدغم مفكوكة، فلفظ يذكر ثان عن يتذكر، وهو أكثر استعمالاً وأخف لفظاً، فقدم في سورة إبراهيم وأخر الأثقل في سورة ص على الترتيب المتقرر، على ما تقدم في قوله تعالى: (هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) (البقرة: ٣٨) في البقرة وقوله: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) (طه: ١٢٣) في سورة طه. وقد تقدم من هذا نظائر، وسيأتي أمثالها، واطراد ذلك شاهد برعيه، فحصل التناسب اللفظي من هذين الوجهين، وإن عكس الوارد لا يناسب والله أعلم.

*******

<<  <  ج: ص:  >  >>